«اكتب دعواتك على البيض فى يوم «شم النسيم» وعلِّقها على الأشجار لتحظى ببركات نور الإله و يحقق أمنياتك». كانت هذه من تفاصيل احتفال المصريين القدماء بمقدم الربيع الذى كان يعنى لهم بعث الحياة. والبيض كان ولايزال من الأطعمة المفضلة لدى المصريين والمتوارثة عبر آلاف السنين، خاصة فى «شم النسيم» حيث كانوا يشكلونه بألوان زاهية، يستخدمون فيها أشياء طبيعية كالبصل والبقدونس لصبغه بالأخضر، والبنجر و الرمان لتلوينه بالأحمر، والأزرق يستخلص من زهور معينة، والأصفر بمنقوع ورق البصل الجاف. وفى صورة يبدو «بتاح» إله الخلق عندهم فى بعض برديات منف جالساً على الأرض متخذا شكل البيضة. لذا كان أكل البيض فى «شم النسيم» شعيرة مقدسة، وموروثة من قدماء المصريين، الذين كانوا يضعون البيض فى سلال من سعف النخيل، ويعلقونه فى غصون الشجر، وشرفات بيوتهم، ليتبرك بنور الإله عند الشروق، ويحقق أمنياتهم التى أضمروها وهم يلونون البيض. وكانوا يعتقدون ان العالم فى الأصل كان بيضة كبيرة الحجم انقسمت إلى جزءين، نصفها العلوى أصبح «السماء»، والسفلى تشكلت منه «الأرض»، فاعتبروها أصل الحياة ورمز ديمومتها. البصل كان عندهم رمزا لإرادة الحياة، والتغلب على المرض، وتفادى الموت، وتحكى بردية من منف أن أحد ملوكها كان له ابن وحيد مرض بداء غامض أعجزه لسنوات طويلة، واستعان الملك بالأطباء فحاروا فى شأن ابنه، وفشل كثير من الكهنة فى مداواته، إلى أن أشار عليه كاهن معبد إله الشمس «أون» بوضع بصلة ناضجة تحت رأس الأمير وهو نائم، وعلق أعواد البصل فى أنحاء القصر، لطرد الأرواح الشريرة، وعند شروق الشمس عصر بصلة وصب ماءها فى أنف الأمير الذى تعافى من مرضه خلال فترة قصيرة، ومن بعدها اعتبره المصريون القدماء نباتا مقدسا، وأصبح على رأس القرابين التى يقدمونه إلى الآلهة. الفسيخ كان المصريون القدماء يعتبرون السمك رمزا للخير، ومقياسا للرزق، وبرعوا فى حفظه وتمليحه، وصناعة الفسيخ كانت من فنونهم المعيشية، وطقسا سنويا يشيع البهجة فى البيوت، ضمن استعداداتهم لشم النسيم، وكان من مواد الخصوبة القوية التى يستعينون بها. والحياة عند المصريين القدماء بدأت فى الماء ويعبر عنها بسمك النيل الذى تنبع مياهه من الجنة، لهذا اهتموا بالسمك، وجففوه وصنعوا منه الفسيخ والملوحة واستخرجوا البطارخ، وأطلقوا عليه اسم «بور» الذى ما زال يستخدم إلى الآن (البوري). ولما زار «هيرودوت» المؤرخ اليونانى مصر فى القرن الخامس قبل الميلاد ذكر أن المصريين يأكلون السمك المملح فى أعيادهم. الخس اسمه الهيروغليفى «عب»، وأحبه المصرى القديم كونه من عوامل الخصوبة، ومن الأسباب الطبيعية للإنجاب، وعُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة، ومن النباتات المقدسة، عند قدماء المصريين، وله نقش تحت أقدام إله التناسل عندهم. وظهر فى سلال القرابين التى كانوا يقدمونها لآلتهم، واقترن به الحمص الأخضر، المعروف باسم «الملانة»، ونضوج ثمراته وامتلائها، إشارة من الطبيعة لمقدم الربيع. وكانت الفتيات يصنعن من حبات الملانة الخضراء عقوداً، وأساور يتزين بها فى شم النسيم ، وكن يزين بها الحوائط ونوافذ البيوت فى الحفلات العائلية. وشم النسيم دائما يأتى يوم الاثنين التالى مباشرة لعيد القيامة (أحد القيامة) لدى المسيحيين الشرقيين، ولهذا يجئ فى أى اثنين من شهر أبريل أو مايو ، ولا ينحصر فى تاريخ ميلادى أو قبطى متكرر أو ثابت سنويا، ويحتسب فلكيا وفق حساب «الأبقطى». وكان الاحتفال به يتم فى أثناء الصوم الكبير، ولأن السمك ممنوع فى هذا الصيام، والمصرى متمسك باحتفاله التاريخي، فقد توافق الأقباط الأوائل على جمع العيدين معا، وتم تأجيل «شم النسيم» يوما واحدا حتى لا يتم كسر الصوم. وحددوا له اليوم التالى لعيد القيامة المجيد، وفيه يأكل المصريون الفسيخ والخس والبيض والملانة.