"يوم ملوش لازمة".. فيلم خفيف ضاحك. أعجب الجمهور بدليل أنه يحقق أعلي الإيرادات. لكنه ليس أفضل أعمال مخرجه الشاب أحمد الجندي مواليد 1980 من حيث القدرة علي تحقيق الترفيه الكوميدي علي الطريقة المصرية. تذكروا أن هذا المخرج قدم أفلام "طير إنت" و"اتش دبور" و"الحرب العالمية الثالثة" والموضوعية تدعونا إلي اعتبار عمله الأخير تراجعاً في مستواه وإن كان لا ينفي حاسته الكوميدية. وحسه الاجتماعي في إدارته للشخصيات ومعالجته للحبكة تحقق علي نحو ما. "يوم ملوش لازمة" تسمية ساخرة وتهكمية ليوم "زفاف" إثنين من الشباب وهما "مها" و"يحيي" "ريهام حجاج ومحمد هنيدي" الاثنان علي خلاف واضح في الذوق. وفي السلوك. وفي الانتماء الطبقي. والأسرتان علي غير وفاق ايضا. فمصدر الضحك هو المفارقات والتناقضات. يجمع المؤلف عمر طاهر جميع هذه المتناقضات الخاصة في هذا اليوم غير السعيد ويفجر المواقف داخل صالة الاحتفال في الفندق. ويسلط الأضواء علي أنماط الشخصيات المدعوة للفرح من الأقارب والأصدقاء والمعارف ويقدم لنا في آخر المطاف عملاً يمكن أن نعتبره من نوعية كوميديا السلوك حيث تبدو المعايير الاجتماعية ضحلة أخلاقياً. والمادة الموضوعية محملة بالفضائح والتعليقات لا تخلو من التفاهة وتعكس مستويات من العنف الإنساني. فضلاً عن الإدعاءات المظهرية وأشكال النفاق والرياء الاجتماعي إلي آخر السمات التي ترتبط عادة بمثل هذه النوعية من الكوميديا. "يوم ملوش لازمة" يقدم أسرتين تديرهما إمرأتان مسنتان "هالة فاخر. وليلي عز العرب" أم العريس وأم العروسة. الأولي سيدة شعبية سليطة اللسان والثانية متبرجزة "من بورجوازية".. الأثاث في الشقتين يكشف عن فارق الذوق. ومستواه. وكذلك ملابس السهرة التي ارتدتها كل منهما. بالإضافة إلي أسلوب التعبير اللفظي ونوع الكلمات المستخدمة في الحوار. الأمر الذي يشهد علي الوعي بإيحاءات الصورة والملاحظة الذكية للمخرج ومهندس الديكور وبالطبع مدير التصوير. والعروس من بنات اليومين دول المهووسات بالشكل علي حساب المضمون. وشكلها في يوم الزفاف علي وجه الخصوص والإجراءات الحديثة التي صرنا نسمع عنها. مثل اللجوء إلي طبيب التجميل لتعديل بعض ملامح الوجه. وإصرارها علي رفض "بدلة" العريس التي جاء بها من "دبي" حيث يعمل ودفع فيها مبلغاً كبيراً. والعريس نفسه يمثل النموذج الفكاهي الطريف. إنه أقرب إلي شخصية كرتونية. كثير الحركة. سريع الكلام. حيوي. ليس وسيماً بالمرة ومع ذلك تطارده فتاة وتصر أن تخطفه من عروسه يوم زفافه "روبي" ومن حسن حظ محمد هنيدي أن ملامحه وتكوينه لا تشي بحقيقة عمره. وحيويته التلقائية تجعله كوميدياناً مقبولاً حتي في إطار حبكة لا تحمل شحنة كافية من الفكاهة "الماكيير هنا يستحق الإشادة". ومن البداية يضعنا صناع الفيلم "المؤلف والمخرج والبطلان الرئيسيان" أمام مواقف طريفة فعلا تنم عن ذكاء ومهارة في رسم التعبير الكاريكاتوري عن موقف جاد. أشير هنا إلي مشهد زيارة مدفن الأب "والد العروس" في نفس يوم العرس. والاشتباكات الحوارية بين العروسين وتحويل "الهيافة" إلي سمة لصيقة بالعروس. والاستبهال ضمن صفات العريس وايضا سلاح لتمرير المآزق التي سوف تعترضه لاحقاً. وخصوصاً في علاقته مع الفتاة "بوسي" "روبي" التي كانت تربطه بها علاقة قديمة سقطت من ذاكرته ولكنها تعود في هذا اليوم الذي لا لزوم له. يوم عرسه لكي تسبب له مطبات تفسد العلاقة مع أسرة العروس. ومع شقيقها "هشام إسماعيل" الذي يرفضه ويستخف به كعريس لشقيقته. كثير من المواقف المصطنعة المرتبطة ايضا بمثل هذه النوعية من الكوميديا تجدها ايضا ومنها موقف المأذون "طارق عبدالعزيز" وموقف بائع أعلام نادي الزمالك الذي يقتحم الحفل ومعه فريق المشجعين للنادي ثم اشتباك هذا الفريق مع الآخر الافريقي الذي تصادف وجوده في نفس الفندق وفي ذات اليوم. ايضا موقف بائع المخدرات "أحمد فتحي" واشتباكه مع فرقة الموسيقيين ومشهد تدخين الحشيش.. ألخ ومشهد حراس الفندق "فؤاد بيومي وزميله". يوم مشحون بالشخصيات وبالمواقف الكاشفة عن سلوكيات نمطية بشرية معروفة تعبر عن طبيعة شرائح من الناس مثل الشخصية التي جسدتها هياتم زوجة خال العريس. وابنتها العانس البدينة المستعدة لعمل أي مسلك يسهل ارتباطها بابن خالة العريس. ومثل شخصية سامح "محمد ممدوح" الشاب الذي لا يميز تلقائياً بين الطيب والخبيث في سلوكه. ولا بين الصالح والطالح من معارفه "لأن كله زي كله" مثل كثير من الشباب.. ايضا المواقف في عيادة التجميل مع الطبيب. وفي حمام السباحة وما أصاب العريس من تسلخات جلدية بسبب المياه السخنة التي قفز فيها دون تمييز ثم مشاهد الاشتباك التي جرت علي أكثر من مستوي وجميعها تدخل في بند المسخرة "Farce) وتصب في صلب الهدف الذي من أجله يتم إنتاج هذه النوعية من الأفلام التي لا تهدف إلا للتسلية والترويح عن دافع ثمن التذكرة الذي يعرف مقدماً كنه العمل المقبل علي مشاهدته. ويميز الفيلم أن جميع من شاركوا فيه تعاملوا مع هدف الإضحاك بجدية وبذلوا جهداً في عدم الانزلاق إلي رذيلة الابتذال وأعتقد أن المخرج والكاتب واعيان بذلك والنتيجة عمل محدود القيمة فنيا. وإن موفور الذكاء في اختياره لبضاعة فكاهية مصرية الروح والشخصيات وترفيهية خالصة من دون اللجوء إلي الطرب الرخيص الصاخب والرقص الهابط والإفيهات السخيفة. والاستخفاف بالقيم الأخلاقية وكانت لدي المخرج فرصة كبيرة للزج بكل هذه البنود المكررة في معظم الأفلام التجارية لكنه اكتفي بأغنية تكرس عنصر السخرية وتفتح المجال لتعليقات طريفة. وقدم الفيلم "الفرح" المصري ليس كصورة طبق الأصل وإنما كمضمون قريب جداً من الصورة الأصلية وحرك المخرج ايضا طاقم الممثلين بكفاءة الفاهم لقدرات كل منهم في تقديم الشخصية التي أسندت إليه.. حيلة "الفرح" كمناسبة كاشفة تضم كل الأحداث. محمد هنيدي ليس في أفضل أدواره بالتأكيد ولكنه منح الشخصية من موهبته العفوية. ونجح في إضحاك المتفرج أو نسبة كبيرة من الذين شاهدوا الفيلم ومن ثم حقق أعلي الإيرادات حسب ما هو مكتوب.. النهاية غير المتوقعة تجعله فعلاً يوم مالوش لازمة. وتجعل "الجنون" سيد الموقف.. وربما كانت هذه رؤية صناع الفيلم"!!". فؤاد بيومي من الممثلين القادرين علي تقمص الشخصيات التي تسند إليهم. ومؤهلاته الشكلية تساعده كثيراً في تقديم شخصيات تثير الضحك حتي وإن بدت جادة ولديه حساسية المؤدي الماهر الذي يلتقط خصال الشخصية وتكوينها الداخلي ويعيد إنتاجها في كثير من الأعمال التليفزيونية. خصوصاً التي شاهدتها له. وحتي الممثلين الثانويين بدورهم دعموا الجانب الترفيهي من دون اللجوء إلي الابتذال في الأداء الحركي ويلاحظ القارئ أنني كررت كلمة "ابتذال" أكثر من مرة. لأنني بصراحة أمقت هذه الصفة التي تمتهن أي عمل فني وتقلل من قدره. وأجدها مهينة حتي للمتفرج المستقبل للعمل. وداء ينتشر ليس فقط علي الشاشة وإنما خارجها ايضا. صناع هذا الفيلم من جيل الشباب. وهم علي قدر كبير من الوعي - المخرج والمؤلف - ومن حقنا أن نتوقع أعمالاً تعبر عن جوهر ما نرنو إليه من أعمال تجنبنا شرور الفن الهابط وعدواه.