كان بودي أن أسمع صوت الأزهر عالياً فيما يتم الترويج له حالياً من خرافات وخزعبلات وسحر وشعوذة في بعض القنوات الفضائية لإلهاء الناس عن قضاياهم الحقيقية.. خصوصاً أن القائمين علي هذه اللعبة القذرة تعمدوا أن يزجوا بالقرآن الكريم في مهازلهم ويأتوا بالشيوخ المعممين الموقرين ليقنعوا الجماهير بما تفعل العفاريت فيختلف هؤلاء الشيوخ بين مؤيد ومعارض.. ومن ثم يصاب الناس بالتشويش وتصبح الصورة الصحيحة لديهم غائمة. في هذه الزاوية أشدت وأيدت الأسبوع الماضي الخطوة الايجابية التي خطاها الأزهر للأمام حين رفض تكفير التكفيريين حتي لا يقع المسلمون جميعا في نفس الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء الضالون المضلون وأيضا حين رفض فتاوي الفتنة التي يطلقها الدكتور سعد الدين الهلالي بين لحظة وأخري حتي يشغل الناس بنفسه ويظل في صدارة المشهد الإعلامي.. وقلت ان هذه بادرة خير كي يعود الأزهر إلي دوره التنويري الرائد في المجتمع ولا يترك البلاد والعباد لمن يتلاعبون بعقولهم. وقد انتظرت وانتظر كثيرون مثلي أن ينتفض الأزهر غاضبا من برامج الخرافات والشعوذة والعفاريت التي تذاع ويجري الزج فيها بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وهي في النهاية ليست إلا لعبة قذرة تظهر حينا بعد حين بهدف تزييف وعي الجماهير وتغييب عقولهم واشغالهم عن قضاياهم المصيرية وهذا ليس بجديد علينا ففي بعض المراحل السابقة عندما كان يراد لنا أن ننسي الهزيمة وننشغل عن واقعنا الأليم كان يظهر من يحدثنا عن "الذين هبطوا من السماء" أو "الغزو القادم من المريخ" وهكذا. وقد نجح خبثاء الفضائيات في أن يجعلوا من قضية السحر والشعوذة والدجل قضية دينية للأسف الشديد.. وتداخل فيها ما هو ديني يتعلق بالغيب بما هو خرافة وشعوذة.. واختلفت آراء الشيوخ الذين يستضافون ويقحمون في اللعبة.. حتي صاروا هم أطرافها.. ونشبت بينهم معارك كلامية تبادلوا فيها الاتهامات والغمز واللمز ضد بعضهم البعض.. ومن ثم كان علي الأزهر أن يرفع صوته عاليا لرفض هذا الهراء والمطالبة بمنع بثه نظرا لما يمثله من إساءة للدين بين أهله وبين من ليسوا بأهله.. الذين يتربصون بالاسلام الدوائر ويتهمونه بكل نقيصة. بالطبع هناك مؤسسات أخري في المجتمع كان من الواجب ان تنتفض هي الأخري ضد هذه الخزعبلات ومنها مثلا وزارة الثقافة ووزيرها الذي ملأ الدنيا ضجيجا بعباراته الرنانة حول التنوير والاستنارة ورفض الأساطير والشعوذة والخرافات وتزييف الوعي وتسطيح العقل .. لكن يبدو أن هذا الذي يحدث في الفضائيات لا علاقة له بالشعوذة التي يقصدها الوزير.. أو ربما كان الرجل مشغولا بالاستنارة التي تعني عنده ظهور الأنبياء والرسل في الأفلام والمسلسلات لا أكثر. نحن نتطلع إلي دور أكثر فاعلية للأزهر في المجتمع بما يمثله من وسطية واعتدال وبما يحظي به من سلطة أخلاقية لدي المصريين جميعا تجعل كلمته مسموعة ومؤثرة.. ولايقتصر دوره علي ما يتعلق بالدين فقط طبقا للمفهوم التقليدي وانما يمتد لكل ما يهدد المجتمع ويفسد الحياة.. والقاعدة تقول: "مالم يتم الواجب إلا به فهو واجب".