ما بين النفي والتأكيد لأي أمر قد تضيع الحقيقة لكن يبقي الأمر الذي أثار القضية قابلاً للنقاش بل موحياً له.. ما أقصده هو ما أثير عن استبعاد عدد من معاوني النيابة بعد قبولهم من دفعتي 2010 و2011 كما نشرت الصحف.. سبب الاستبعاد الذي قاله المستبعدون أنفسهم هو عدم حصول الأب والأم علي مؤهل عال.. وهو ما نفاه البعض من المصادر القضائية مؤكدين أن هناك أسباباً أخري للاستبعاد وأن هذه الأسباب لا يجب إعلانها وفقاً لقانون السلطة القضائية ولائحة عمل مجلس القضاء الأعلي.. بينما هناك مصادر أكدت هذا السبب. مهما كانت الحقيقة فإن اشتراط حصول الأب والأم علي مؤهل عال لتقلد أي وظيفة مما يطلقون عليها مرموقة مثل القضاء أو الدبلوماسية هو أمر غريب.. فهو يرسخ لمبادئ خاطئة ويبني نتائج علي مقدمات خاطئة وغير منطقية. أولاً هو ضد مبدأ تكافؤ الفرص وبالتالي هو ضد الدستور نفسه الذي أوجد هذا المبدأ.. ثانياً هو ضد الدين ايضا فضمنياً هو يعتبر أن عدم حصول الأب والأم علي مؤهل عال ذنباً يعاقب به الأبناء.. وفي ديننا الحنيف لا تزر وازرة وزر أخري. هو ايضا يرسخ للطبقية ويقلل الطموح ويخلق ضغائن في النفوس.. فيستبعد خريجاً متفوقاً وقد يكون أول دفعته لهذا السبب بينما يتقلد الوظيفة من هو أقل منه تقديراً.. والنتيجة هي التأثير سلباً علي الانتماء للوطن. نأتي إلي النتائج التي قد تبني علي مقدمات خاطئة.. فهذا الاتجاه في التفكير يربط بين مؤهل الأبوين والمستوي الاجتماعي وهو ربط خاطئ.. ويربط بين المؤهل وغني أو فقر الأسرة القادم منها الشاب وهو ربط ايضا خاطئ بل عنصري.. لأن الغني والفقر لا يجب أن يكون أبداً من مسوغات التعيين أو تقلد المناصب. هو يربط بين مؤهل الأبوين والاخلاق وهو ربط خاطئ.. فالأخلاق تعود للتربية ولا نستطيع أن نقول إن الأبوين غير الحاصلين علي مؤهل عال لا يستطعيان تربية الأبناء وغرس القيم فيهم وإلا لكنا ندين أنفسنا وندين أجيالاً وأجيالاً علي مدي سنوات طوال!! كذلك لا نستطيع أن نقول إن كل أب وأم حاصلان علي مؤهلات عليا فإن أبناءهما بالضرورة سيكونون مثالاً للأخلاق والقيم.. فهذا ايضا غير منطقي.. فالتعميم في الحالتين خاطئ وضد المنطق!! النتيجة أن التعيين سواء في النيابة والقضاء والمناصب الدبلوماسية وغيرها من الوظائف علي اتساعها يجب أن يكون له معيار واحد هو الكفاءة لمقومات الوظيفة.. وفي هذا فلتجري كل الاختبارات اللازمة بتجرد وحيادية.. هذا إذا أردنا لهذا البلد أن ينهض من كبوته وإذا أردنا أن نعيد شباب هذا الوطن لحضنه مرة أخري.