أنعم الله عليّ بفضله وأديت هذا العام الركن الخامس من الإسلام.. الحمد لله حججت بيت الله وأديت مناسك الحج.. ومازلت بعد عودتي أدعو الله أن يجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً.. وأن يكون الله سبحانه وتعالي قد قبلني في ضيوفه وضمن وفده.. وفد الرحمن وضيوفه. استغرقت الرحلة 18 يوماً.. عشت فيها من الروحانيات ما سيبقي أثره معي ما بقيت لي حياة بإذن الله ورأيت خلالها ما ينتزع الحاج من الحالة الروحانية التي يكون فيها.. عشت هذا وسعدت به وعانيت من ذاك وأسفت له. الحج عبادة يؤكد بها المسلم عبوديته لله في كل خطوة.. بداية من الإحرام الذي يضع الحاج في حالة وجدانية ملائكية جميلة.. حيث يبدأ طوافه حول الكعبة المشرفة ليتفتح القلب بنور هذا المكان المقدس الذي يدخل علي النفس سعادة من الصعب وصفها ومن الطواف إلي السعي بين الصفا والمروة متذكراً السيدة هاجر المصرية زوج إبراهيم عليه السلام التي امتثلت لأوامر زوجها ورضيت أن يتركها في صحراء قاحلة مع وليدها دون جرعة ماء ليهب لها الله "زمزم" التي يتوق المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لرشفة من مائها.. تلك المعجزة الإلهية الباقية عبر الزمان. بعد الطواف والسعي للعمرة بعدة أيام بدأنا مناسك الحج بالصعود إلي عرفات.. في عرفات شعرت بوجود الله سبحانه وتعالي معنا أنه يتابع مناسكنا.. اقشعر البدن فالله يدنو إلي هذا المكان في هذا التوقيت ناظراً لعباده الحجيج قائلاً: "ماذا يريد هؤلاء".. إنه مجيب دعوات الحجاج.. لذلك فالعبادة الوحيدة المطلوبة في عرفات هي الدعاء ولا غير ذلك.. فالصلاة تكون قصراً ولا شيء من صلاة النوافل والتطوع.. الدعاء وفقط وبالفعل نعم عبادة المرء الدعاء.. اللهم اجعله دعاء مقبولاً. أمام جبل الرحمة لابد أن نعيش مع رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حيث وقف في هذا المكان وخطب خطبة الوداع.. وهو مكان به نور رباني يزيده الحجيج بملابسهم البيضاء نوراً علي نور.. مكان تتشبث به لا تريد أن تغادره. عندما غادرنا عرفات إلي مزدلفة لنذكر الله عند المشعر الحرام كما أمرنا انهمرت دموعي لأني أغادر عرفات ولأني رأيت في الطريق إلي مزدلفة مشاهد تؤكد أن الخير سيبقي في أمة محمد إلي يوم الدين كما قال رسولنا الكريم.. فجموع الحجيج تنهمر كالسيل إلي مزدلفة ما بين سيارات محملة بهم وأخري تحمل الحجيج فوقها في المكان المخصص لحمل الحقائب.. وعربات يتشبث بمؤخرتها حجاج من كل الجنسيات.. مئات الآلاف يسيرون علي الأقدام ومنهم من وصل بالفعل واستلقي علي الأرض يستريح ويدعو ويستعد لصلاة المغرب والعشاء قصراً. مشاهد تقول شيئاً واحداً كلنا آتون الرحمن عباداً وعبيداً.. كل الجنسيات بمختلف المواصفات الشكلية والجسمانية.. كل الأعمار.. شباب غادروا الصبا تواً وشيوخ هرموا يجرون أقدامهم جراً.. نساء ورجال.. الكل يمتثل لأوامر الله. غادرنا مزدلفة بعد جمع جمرات العقبة الكبري إلي مني.. ذلك المكان المقدس الذي يعمر بالملايين لمدة لا تزيد عن ثلاثة أيام وفجأة تعود خاوياً إلا من بركة الرحمن.. مكان يهيم الوجدان بجباله المرتفعة وعمقه الوقور وأمطاره التي تنهمر فجأة رغم حرارة الجو ليلهث الجميع بالدعاء.. فهذا وقت إجابة في أطهر بقاع الأرض. غادرنا مني بعد رمي الجمرات أربعة أيام متوالية وادينا طوافي الإفاضة والوداع معاً بنيتين وبعدهما سعي الحج لنشعر براحة وجدانية وجسمانية رغم المشقة وبفرحة وسعادة جعلتنا نستلقي جلوساً علي جانب من المسعي وقد شعرنا أننا أدينا ما علينا وبقي القبول من الله سبحانه وتعالي. وكانت جائزتنا زيارة مسجد رسول الله في مدينته المنورة والصلاة في الروضة الشريفة.. يارب اجعله حجاً مبروراً وسيره لكل مشتاق.