لعل افضل دعاء يمكن لنا جميعا ان نلهج به إلي الله تعالي في يوم الحج الاكبر.. في يومه الاعظم ويكون دعاء شاملا نافعا لانفسنا ووطنا هو اللهم انصرنا علي شياطيننا التي تلبستنا.. ولا تريد ان تمنحنا فرصة نلتقط فيها الانفاس لنتبصر ونستبصر حال البلاد والعباد.. تلك الشياطين التي تعبث بعقول الجميع: النخب المثقفة قبل غيرها من فئويات كثر ضجيجها ولا تري لها طحنا.. اصابت الوطن واهله بالدوار وتقوده حتما إلي البوار.. تحالفوا مع الشيطان حتي انساهم ذكر الله والوطن وتركهم في غيهم وجهلهم وظلمات يلعبون.. ندعو الله مخلصين في هذه الايام المباركة ان ينصرنا علي الشيطان وزمرته.. وهو الانتصار الذي لا نزال نجهله من عبادة الحج .. نجهله رغم كثرة الحجيج والعمار في كل عام.. حتي صدق فينا و علينا قول الاولين من الصالحين.. الركب كثير والحاج قليل.. وقولهم: ما حجوا ولكن دجوا.. وعلي ما يبدو فان الكثيرين يذهبون للحج وهم يجهلون حقيقة المعركة الكبري مع الشيطان.. المواجهة الحقيقية مع الشيطان الاكبر.. ومن المفارقات اننا خسرنا - أو بمعني ادق لا نزال نقاوم بصعوبة - المعركة مع الشيطان الاكبر سياسيا.. مثلما خسرناه مع الشيطان الاكبر عقائديا.. رغم ان الحق واضح بين في الحالتين ولا نحتاج إلي محللين أو خبراء استراتيجيين أو غيرهم ابتلانا الله بهم ليل نهار علي الفضائيات والارضيات.. ممن لم ينزل الله بهم سلطانا.. الحج عبادة التجرد والخضوع لله والمواجهة الحقيقية للشيطان ومحاربته حتي دحره ونحره.. و نحن لم نفهم حقيقة التوجيه الالهي لتحقيق الانتصار علي الشيطان.. واعلان المقاطعة النهائية لابليس وزبانيته في الارض واعلان الخضوع التام والتسليم الحقيقي لله رب العالمين.. لقد نظرنا إلي العبادة العظمي والركن الذي يكتمل به تمام الدين .. نظرات سطحية وتعاملنا معها كما نتعامل مع الوجبات السريعة في حياتنا.. كل شئ §تيك أو اي.. ولذلك لا تتعجب ان تري البعض غارقا في الموبقات مقترفا للسيئات رفيقا للمعاصي.. وتجده من اكثر الحاجزين علي خطوط طيران جدة - القاهرة.. وممن يتباهون بانهم الاكثر عددا في الزيارة للاراضي المقدسة.. يزورونها بتذاكرهم. وقلوبهم معلقة. بالدنيا متآلفة مع الشيطان غير قادرة علي مقاطعته.. يظن البعض جهلا أو استعباطا أو خيلاء و مراءاة انه يحج أو يعتمر ليغسل ذنوبه.. ليرجع كيوم ولدته أمه.. مع انه في الحقيقة مصر علي الذنب.. مستغرق في المعصية.. وينسي انه في هذه الحالة كالمستهزئ بربه.. وهذه هي ام المصائب الايمانية.. لمن ذاق واقترب.. وعرف معني محبة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم .. مع ان المرء لو تأمل أو أدرك آخر أيامه في الحج وبعد اداء الركن الاعظم يوم عرفة.. لعرف كيف يقاطع الشيطان.. من خلال التدريب الحي علي المواجهة ليس فقط بالدعاء ولكن بالرجم.. بالحصي.. ويبالغ البعض في التعبير عن حرقتهم من ابليس برجمه بالاحذية.. وذلك في وقت عبادة نعم.. عبادة الاخلاص والتسليم التام لله سبحانه و تعالي .. في اوقات تنفيذ الاوامر بلا جدال ولا مناقشة.. ما عليك الا ان تفعل.. مؤمنا مسلما قياد عقلك وايمانك لله ورسوله .. والتدريب العملي علي مقاطعة ابليس سبعون رمية.. لو أن الحجيج أكملوا الرمي في الأيام الأربعة فسيكون المجموع سبعين حصاة: سبع منها لجمرة العقبة في يوم العيد. وثلاث وستون حصاة للأيام الباقية وهي أيام التشريق. فيرمي كل يوم الجمرات الثلاث: جمرة العقبة الأولي وهي الصغري. ثم الثانية الوسطي. ثم الثالثة الكبري. ويرمي كل جمرة بسبع حصيات. ويأخذ كل يوم إحدي وعشرين حصاة. فيأتي الجمرة الأولي وهي التي تلي مسجد الخيف وهي أولاهن من جهة عرفات.. الحكمة من رمي الجمرات.. كما قال النبي صلّي الله عليه وسلّم: ¢إنما جعل الطواف بالبيت. وبالصفا والمروة. ورمي الجمار لإقامة ذكر الله. وتعظيم الله - عزّ وجل - وتمام التعبد.. لأن كون الإنسان يأخذ حصي يرمي به هذا المكان يدل علي تمام انقياده. إذ أن النفوس قد لا تنقاد إلي الشيء إلا بعد أن تعرف المعني الذي من أجله شرع0 إلي جانب مافي الرمي من الترغيم للشيطان والإغاظة له فإنه يغتاظ حينما يري الناس يرجمون المكان الذي اعترض فيه خليل الله إبراهيم عليه السلام. فهذا المشهد عبادة وشعيرة من أعظم شعائر الإسلام. لقد أراد الله سبحانه وتعالي بقصة إبراهيم وإسماعيل مع إبليس أن يعلمنا بعد أن وقفنا بعرفات وغفر لنا ذنوبنا.. لكي نحافظ علي التوبة النصوح التي اعلناها وشرعنا فيها وتركنا من اجلها كل متع الدنيا واتينا إلي المشعر الحرام متجردين مسلمين العقل والقلب والجوارح لله. لا بد أن نرجم الشيطان في أنفسنا رجما معنويا فلا نجعل له فيها مدخلا. إذا حاول.. أو يوسوس لنا بمعصية فلا نستمع إليه.. وإنما نرجمه بعصياننا لنزغاته حتي يبتعد عنا ويتركنا ولا يكون له علينا اي سلطان.. ومن بديع اشراقات امام الدعاة الشيخ الشعراوي رحمه الله في هذا المعني قوله: ان الله جل جلاله يريدنا أن نلتفت إلي أننا في الحج إنتصرنا علي الشيطان.. بأن امتنعنا عن كل ما نهي الله عنه.. ليس امتناعا يشمل ما حرم الله في الأوقات العادية.. ولكن التحريم إمتد إلي بعض ما كان مباحا.. فكأن التحريم زاد ورغم ذلك قدرنا عليه.. وقضينا مناسك الحج في ذكر الله والإنشغال بالعبادة والدعاء.. بمعني أننا لسنا قادرين فقط علي طاعة المنهج.. بل إننا قادرون علي طاعات أكبر وأكثر.. وقد اعتبر العلامة الشيخ محمد خضر حسين ان من علامات الحج المبرور اعلان المقاطعة للشيطان يقول: ولن تكتفي هذه الجموع العظمي من الحجيج بهذا العهد العظيم مع الله. بل إنها بعد الإفاضة من عرفات إلي مزدلفة تدفع من مزدلفة إلي مني قبل أن تطلع الشمس. وفي مني تعلن مقاطعتها للشيطان. وترمز لهذه المقاطعة برميه عند الجمرة الكبري. ثم عند الجمرة الوسطي. وجمرة العقبة في أيام التشريق. وهي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر. هذه المقاطعة الرمزية للشيطان في كلِّ ما ينتظر أن يسول به للمسلم في حياته من شريّ أو إثم. يقوم بها الحجاج بعد ذلك العهد الذي قطعوه لربهم كلما هتفوا له: "لبيك اللهم لبيك". فتخرج نفوسهم نقية طاهرة منيبة إلي الله. مستريحة من أوزار الماضي. ومستقبلة حياة جديدة صالحة. وأياماً سعيدة هنيئة. يقول الإمام بن قدامة المقدسي: ومثل الشيطان كمثل كلب جائع يقرب منك. فإن لم يكن بين يديك لحم وخبز» فإنه ينزجر بأن تقول له: اخسأ. وإن كان بين يديك شيء من ذلك وهو جائع» لم يندفع عنك بمجرد الكلام. فكذلك القلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد الذكر. فأما القلب الذي غلب عليه الهوي» فإنه يرفع الذكر إلي حواشيه. فلا يتمكن الذكر من سويدائه. فيستقر الشيطان في السويداء. ** عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريز - رحمه الله - أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "ما رئي الشيطان في يوم هو فيه أصغرَ ولا أدحرَ ولا أحقرَ ولا أغيظَ منه في يوم عرفة. وما ذاك إلا لما يري من تنزل الرحمة. وتجاوزِ الله عن الذْنوب العظام. إلا ما رئي يومَ بدر. فإنه قد رأي جبريل يزعَ الملائكة". رواه مالك في الموطأ ** عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج فرأي ركبًا فقال: من الركب؟ قالوا: حاجِّين. قال: ما أنهزكم غيره؟ -أي ما أخرجكم غيره - ثلاث مرات. قالوا: لا. قال: لو يعلم الركب بمن أناخوا لقرت أعينهم بالفضل بعد المغفرة. والذي نفس عمر بيده ما رفعت ناقة خفها ولا وضعته إلا رفع الله له درجة وحط عنه بها خطيئة. وكتب له بها حسنة. يقول الشاعر : إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجت العير لا يقبل الله إلا كل طيبة ما كل من حج بيت الله مبرور ** قال علي رضي اللّه عنه: "كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل. ألم تسمعوا الله عز وجل يقول إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ "سورة المائدة آية 27".. وقال أبو الدرداء": لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها. ** كان عامة دعاء إبراهيم بن أدهم رحمه الله: "اللهم انقلني من ذل المعصية إلي عز الطاعة".