أثار شاعر العامية الكبير عبدالرحمن الأبنودي قضية الشاعر ابن عروس. والمربعات التي نسبت إليه مؤكداً انه من خلال مشاهداته وقراءاته واجتهاداته توصل إلي نفي شخصية ابن عروس. وأنه لم يكن شخصية حقيقية. حول هذه القضية قدم- في الأسبوع الماضي- د. أحمد شمس الدين الحجاجي. رأياً علمياً. ولأن الشاعر والباحث مسعود شومان أمضي فترة طويلة من حياته في دراسة ابن عروس ومربعاته. فإن له رأيه الذي نناقشه. يقول شومان: الأبنودي شاعر كبير. لكنه يفكر في البحث بقلب الشاعر. وأهمية شعره لا تعني أن كلامه في العلم له مثل هذه الأهمية. فقد أكدت في كتابي الذي أصدرته منذ 15 عاما "مربعات ابن عروس" التناقض الواضح الذي وقع فيه الأبنودي حين قال في مقدمة السيرة الهلالية ان ابن عروس فارس وهمي. ثم أتبع ذلك بمقال أكد فيه تونسية ابن عروس. كما يخلط بين عدة اصطلاحات وعدة فنون كالمربع والرباعي والواو. ولا أعرف لماذا يلصق بشكل متواصل سيرة ونصوص ابن عروس بحشاش مصري. فالقاريء لمربعاته والجامع لها سيتأكد من تجذرها في مصر. ولا يعقل ان تكون الجماعة الشعبية في مصر من السذاجة بحيث تتبني أشعار أحد المارة وهو في طريقه للحج أثناء عبوره مصر. ان النفي الذي قام به الأبنودي لا يعني سوي نفي شاعر كبير له تأثيره علي شعراء العامية وهو واحد ممن أفادوا من القيم الجمالية والشكلية لهذه المربعات. وليس من اختراع حشاش مصري. فلو كان الأمر كذلك لقلنا ان نفس الحشاش أو غيره هو الذي اخترع شخصية أبوزيد الهلالي. خاصة في روايته الجنوبية وهي في معظمها تقوم علي بنية المربع الذي عرفناه مع ابن عروس. وسوف تكون مفاجأة للقاريء حينما يصدر كتابي الجديد عن ابن عروس وهو يتضمن أكثر من ثلاث مائة مربع لتتأكد مصرية هذا الشاعر ونصوصه. قلنا: فكرة الموروث الشعبي بدأت تغزو الدراما التليفزيونية. في رأيك ما الأسباب؟ وهل هذا يفيد الدراما. أو أنه محاولة تأصيل للتقاليد والمعتقدات الشعبية في المجتمع المصري؟ قال: منذ زمن بعيد. نري امتطاء عدد كبير من كتاب الدراما لعناصر التراث والمأثور الشعبي. وقد كان التركيز علي القصص الحكائية الكبري- السيرة- والمواويل القصصية مثل حسن ونعيمة. شفيقة ومتولي. الهلالية. عنترة. ألف ليلة وليلة. لكن الأمر طال عناصر أخري في المعتقدات والعادات والتقاليد ويظل التركيز علي المعتقدات الشعبية كزيارة الأولياء ومعتقدات الجن والعفاريت وطقوس الزار والرقي هي الأكثر انتشارا في الدراما التلفزيونية والسينمائية. بينما يختلف الأمر في المسرح الذي يأتي استلهامه لعناصر المأثور الشعبي أكثر شمولاً وربما أكثر عمقاً. والملاحظ ان معظم من يستهلمون عناصر الفولكلور لا يأبهون بجوهره ولا بالسياقات التي خلقت الظاهرة والعادة. لكنهم في أحسن الأحوال يوشون العمل الدرامي بالعناصر المتواترة التي يدغدغون بها المشاعر الفولكورية أو العقلية الشعبية بمنظومة قيمتها. وفي نفس الوقت مداعبة خيال من لا يعرفون عن هذه العناصر شيئاً. وتقديم الفولكلور بوصفه متحفا أو مولاً لعرض التراث والمأثور. وهذه الاستلهامات ليست مبنية علي خبرة علمية أو جميع ميداني أو استعانة بالمختصين لكنها تقوم في الغالب علي خبرات ذاتية للكتاب أو في ضوء النظرات السطحية لعناصر الثقافة الشعبية. قلنا: ما مدي إفادة الابداع السردي والشعري من حكايات وسير التراث الشعبي؟ قال: ان ظاهرة التفاوض مع بعض عناصر الثقافة الشعبية بتنوعاتها. واليات تشكلها في بنية النص الشعري تعد واحدة من الاستراتيجيات التي يعتمدها معظم شعراء العامية وعدد من كتاب السرد وقلة من شعراء الفصحي. ولا تقتصر ظاهرة التناص عند الاستلهامات الفولكلوري وحسب. وإنما تتسع لتشمل التناص مع تراثنا عدة. العلاقة شائكة بين النص الشعري "الفردي" والنصوص الشعبية "نصوص الجماعة" من هنا يمكننا ان نقرر بداية ان شعر العامية لم يكن امتداداً للزجل. أو للشعر الشعبي. ولم تكن القصة القصيرة تطوراً للحكايات الشعبية. وكذا فالرواية ليس جذرها عند السير الشعبية. يدعونا الي هذا القول ان هناك ربطاً متعسفاً يعقد أواصر صلة بين الشعبي والفردي. ويجعل الأخير امتداداً له. ولعل هذا الربط مصدره هو رد الأشياء الي مصدر محدد يعرفونه. ويمسكون بأدواته. أو لا يمسكون. المهم هو البحث عن بئر يمكن ان نرد إليها كل قطرة ماء مهما بدا شكلها مختلفاً. فما أسهل أن تضع كل نوع أدبي في درج محكوم الاغلاق لتتخلص من أزمة التنصنيف. ولعل هذا الربط هو ما جر بعض النقاد إلي عقد صلة وهمية بين ما يسمونه المصدر "الأصل" وكل جديد لا يجدون له أسماً. أو شارة يعلقونها علي واجهته. وهم اذا يفعلون ذلك يحدوهم الأمل في وضع نموذج قياسي يمكن الحكم به الأنواع الأدبية الجديدة.