أنا أرملة في منتصف الثلاثينيات من العمر وأم لطفلة في الرابعة من عمرها وكان زواجي من أبيها زواجا تقليديا ومنذ اليوم الأول من ارتباطي به وأنا ألمس خصاله الطيبة وصفاته الحميدة ما زادني حباً له.. فكم هو بار بأمه كريم مع اخوته الذين تولي مسئوليتهم بصفته الأخ الأكبر وبعد وفاة أبيه وبعد زواجه مني استمر في أداء رسالته تجاههم بلا تقصير.. واكتملت سعادتي معه بقدوم أول مولودة لنا علي الحياة.. سعادة لم يكتب لها أن تطول كثيرا فما هي إلا شهور قليلة حتي بدأت صحة زوجي تتدهور وعلمت انه يعاني من مرض خطير لكنه لم يخبرني بأمره عند زواجنا حيث أعطاه الأطباء الأمل بأنه لا يزال في بداياته وان نسبة شفائه منه كبيرة.. إلا أن جميع توقعات الأطباء خابت ليدخل زوجي المسكين في مضاعفات خطيرة أودت بحياته سريعاً. وبوفاة "أبو ابنتي" شعرت بأنني كمن أخرجوها من الجنة وألقوا بها في أتون النيران ليس بسبب رحيله المفاجيء عني بعد حياة قصيرة وانما لهذا التحول الغريب من ناحية أهله تجاهي لا لشيء سوي انني رحت أطالبهم بالوقوف بجانبي لسداد ديونه خاصة انهم يعلمون ان أغلب تلك الديون كانت قبل زواجي منه بكثير وان معاشي وطفلتي عنه قليل.. بمجرد ان لفت نظرهم لذلك حتي بدأت حماتي تعطيني وجهها الآخر وسار أبناؤها علي نفس الطريق. وفي غمرة أحزاني علي رحيل زوجي.. وتنكر أهله لي من بعده توفي أبي وبعد شهور قليلة لحقت به أمي حزناً علي ما أصابني وهي تراني أحصل علي لقب "أرملة" مبكراً وفي عنقي طفلة رضيعة ما زال مشواري معها طويلاً.. باختصار تصورت ان وفاة أبي ومن بعده أمي فرصة لكي يراجع أهل زوجي مواقفهم معي. لكن للأسف لم يحدث ذلك وأعلنوها قطيعة بيني وبينهم في الوقت الذي وجدت أناساً ليسوا من أهلي أو أهله يقفون بجانبي فمنهم من تنازل عن ديونه ومنهم من أعانني بفرصة عمل استطعت خلالها وعلي مدي الخمس سنوات الماضية سداد الجزء الأكبر من الديون التي ورثتها عن زوجي الراحل!! وكل ما يؤلمني الآن هو شعوري انني ظلمت ابنتي الصغيرة معي حيث اعتادت رؤيتي حزينة كئيبة وهو ما انعكس بدوره عليها فأجدها لا تميل للهو والمرح مثل أطفال سنها.. ولا أدري أي ذنب اقترفته حبيبتي حتي يهجرها أهل أبيها ويبخلون بالسؤال عنها؟.. أين الرحمة؟.. أين الوفاء لذكري ولدهم الراحل؟! تلك هي أسئلتي التي أنتظر من قراء نافذتك مساعدتي في الإجابة عليها لعل تهدأ جراحي وتسكن. أ.ع القاهرة * المحررة: تكالبت عليك الأوجاع والآلام يا ابنة الثلاثين منذ رحيل زوجك عنك فلم تتجرعي فقط مرارة فقدك المبكر له بل تجرعت نكران أهله لك حينما جئت إليهم ملتمسة معاونتهم في سداد الديون المتراكمة علي ولدهم الراحل وبدلاً من أن يتفهموا مطلبك وانت التي لم يمض علي زواجك من ابنهم عام ونصف العام أعطوك الوجه الآخر وتركوك لتواجهي الدائنين بمفردك وأنت منزوعة "الدخل" اللهم إلا من المعاش الصغير الذي خرج لك عن زوجك!! لكن الله لم يتركك وحدك وبعث لك بمن ترفقوا بحالك وأمدوك بعمل كريم أعانك علي الوفاء بديون "أبو ابنتك" حتي لا تظل تؤرقه في قبره.. وبعد أن أفقت من هذه الدوامة نظرت حولك لتجدي طفلتك الصغيرة وقد سكن الحزن ملامحها وأدركت ان ما أصاب ابنتك ما هو إلا انعكاس لحالة الحزن والكآبة التي سيطرت عليك منذ رحيل أبيها.. وتتساءلين عزيزتي أي ذنب اقترفته صغيرتك حتي تجني كل هذا العذاب من أهل أبيها؟.. وإلي متي يؤخذ الصغار بذنوب الكبار؟! بالطبع لم تذنب ابنتك.. ولم تذنبي أنت حيث أراك قلقة بشأن عدم سؤال أهل زوجك عنكما وهي حالة ايجابية تعني حرصك علي رأب الصدع ولملمة الجراح بينك وبينهم وفاء لذكري ولدهم الراحل التي لم يحفظوها ويعطوها مثلما أعطيت أنت!! من حقك أيتها الأرملة الشابة أن تحزني. لكن إياك والاستغراق في الحزن فقد وفيت ما عليك تجاه زوجك الراحل وأكثر مما هو مطلوب منك ويبقي لأهل زوجك أن يسألوا أنفسهم لماذا الاصرار علي القطيعة مع ابنة أخيهم اليتيمة؟! ألا يخشون من عقوبة السماء وهم يحرمون هذه الطفلة من أبسط حقوقها عليهم.. وهو حق السؤال؟!