تفرقة وسلبية خلقتها الأعراف الزواج للأرمل مباح وللأرملة خيانة وجحود محيط - فادية عبود مفروض عليها ارتداء الأسود حتى انتهاء العام الأول في بعض الدول العربية ، ومفروض عليها ألا تبدي فرحها بأي مناسبة و إلا تخرج عن دور الوفاء لزوجها المتوفي ، كما يجدر بها أن تسلك درب الحياة وحيدة دون أنيس كي لا تفقد احترامها وسط المجتمع . لكن الرجل بعد موت زوجته مغفور له الزواج بأخرى ، لأنه لا يستطيع القيام بدور الأب والأم ، كما أنه في حاجة لمن تراعاه ولمن يضمن بها عدم الوقوع في الخطأ ، السؤال الذي يطرح نفسه الآن ، هل هذا إنصاف وعدل ؟ هل هذا شرع الله . نكران الجميل يقول عبدالرحمن ، لمجلة " الصدى " عن زواجه الثاني بعد وفاة زوجته الأولى : أرجو ألا أُتهم بنكران الجميل من قبل السيدات ، فلم تكن تمضي أيام قليلة على وفاة زوجتي حتى باشرت إجراءات الزواج الثاني فالرجل كما هو معروف عنه لا يستطيع العيش من دون امرأة تشاركه الحياة ، ولا أرى حرجاً أو مانعاً فيما حلله الدين ، وعندما فكرت بالارتباط لم أجد معارضة من أي شخص ورحب الأهل بهذه الخطوة وشجعوني عليها لمصلحة الأولاد ، فهم لا يزالون صغاراً في السن حتى أهل زوجتي الراحلة لم أجدهم ممانعين لمسألة زواجي الأمر الذي أراحني كثيراً والمهم أن يحسن الفرد اختيار من تشاركه الحياة مرة أخرى ، وتعينه على تربية الأولاد . كارثة حقيقة أما عبد الرحيم فيعتبر وفاة شريكة الحياة كارثة حقيقية بالنسبة إلى زوجها ، ويتابع : سرعان ما يبدأ الزوج الأرمل في مواجهة المشكلات والصعوبات الناجمة عن وفاة زوجته التي تبدأ بالظهور على سطح الحياة يوماً بعد يوم وتتغير تبعاً لها حياته كلها ابتدءًا من الأولاد الذين يصيرون في أمس الحاجة إلى رعاية وحنان خاصة إذا كانوا صغاراً فترتبك حياته الاجتماعية ، كذلك يجد الرجل حرجاً في تلبية دعوة إلى بيت صديق أو الخروج في صحبة رجال متزوجين حين ترافقهم زوجاتهم . ويقول جمال : عندما توفيت زوجتي رفضت فكرة الزواج إضافة إلى إنني كنت مأخوذاً بحزني على رحيلها ومشغولاً بوضع الترتيبات التي ستكون عليها حياتي من بعدها إلى أنه وبمرور الوقت اتضح أنه من الأنسب لي كأب يرعى ثلاثة أبناء التفكير في أمر الزواج من جديد فالأولاد في حاجة ماسة لمن يرعاهم ويتابعهم على الدوام ، وأشكر الله أن وفقني بالاقتران بزوجة ثانية حنونة وطيبة تحسن لأولادي ولي . جحود الأرملة عندما يتزوج الأرمل يقولون إنه مسكين ضعيف لا يمكنه العيش من دون امرأة ترعى شئونه وتربي أولاده ، أما زواج المرأة دائماً ما يوصف بالجحود . تحكي ناهد الشيخ موقف أبنائها من فكرة ارتباطها بزوج آخر قائلة : "توفي زوجي وسني صغير تاركاً لي خمسة أبناء أواجه بهم ومعهم تيار الحياة فكنت الأب والأم في آن واحد ، لم أبخل عليهم بالحنان والحب للحظة واحدة وقفت بجانبهم وساندتهم إلى أن أصبحوا قادرين على العمل ، وعندما التفت حولي لم أحد بجانبي أحد منهم ، وقد اختار كل واحد منهم طريقه في الحياة وسار فيها كما خطط لنفسه وأراد ، وحانت اللحظة التي وجدتها فرصة للعيش مرة أخرى في كنف رجل يرعاني عندما تقدم أحدهم للزواج بي ، حينها فقط وجدتهم مجتمعين حولي رافضيين فكرة زواجي بآخر متعللين بأنني قد أصبحت كبيرة في السن ولا يحق لي الزواج مرة أخرى ، بل ذهبوا إلى حد القول بأنني بهذا العمل أكون قد خنت ذكرى والدهم الراحل ، وأن ما سأقوم بهم يسيء إليهم ، فلم أجد أمامي إلا الانصياع لرغباتهم وفضلت الوحدة والهجر على أن أفقدهم ". أما صباح 45 عاماً فتقول : " لقد عانيت الأمرين مع زوجي من ضرب وإهانات ، فكان زوجي معي سادي إلى أقصى الحدود يتلذذ بتعذيبي ، وبعد أن فشل أهلى وأصدقاؤه في إصلاحه قرر الانفصال لمدة عام ثم طلقني بعدها ، وظللت مطلقة لمدة عشر سنوات ، وعندما علم زوجي بقرار زواجي الثاني ثار وطلبني للرجوع إليه لكنني ثبتُ على موقفي وتوفاه الله قبل زواجي فانتظرت حتى شهراً وأتممت زيجتي ، لكن أهله اعتبروني أرملته وختنه بالزواج الثاني وعاملوا أبنائي أسوأ معاملة لدرجة أنهم حرموهم من ميراث أبيهم ". عنف ضد المرأة لأن الأعراف التي هي من صنع الناس فرقت بين حقوق الرجل في الزواج بعد موت امرأته وبين حق الأرملة في الزواج برجل آخر ، والدين ساوى بينهما في هذا الأمر ، تقول الدكتور زينب العايش الأخصائية النفسية : " ديننا الإسلامي الحنيف لم يفرق بين الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية وفرض لهما نفس الواجبات والحقوق ، والسؤال هنا ما نظرة الرجل للزواج وكيف يطبق شرع الله ؟ فإذا كان الرجل يتبع أهواؤه ولا يهمه إذا ما تزوج بعد فترة قصيرة من الترمل ، قائلاً إنه أراد أن يصون نفسه ويجد السيدة التي تناسبه من جميع النواحي ، وعلى النقيض لا تزال نظرة المجتمع قاصرة وسلبية تجاه المرأة ، ما يمثل نوعاً من العنف الذي يمارس ضد المرأة . وعندما تفكر المرأة التي توفي زوجها بالزواج بالزواج مرة أخرى يكون ذلك لأسباب نفسية واجتماعية واقتصادية ، لكن معظم المجتمع يرفض توجهها . هذا الرفض يعبر أيضاً عن تناقض في نظرة وسلوك المجتمع الذي يرفض أن تعيش المرأة بمفردها خاصة إذا كانت صغيرة بالسن ، كما ترفضها النساء غيرة وخوفاً على أزواجهن" . وتتابع الدكتورة زينب قائلة : عندما تفكر الأرملة بالزواج تتنازعها ثلاثة أنواع من المشاعر ما بين الوفاء لزوجها الراحل وزوجها الحالي وأبناءها الرافضين الذين يصعب عليهم تصور وجود بديل لوالدهم ، ويحبون أن يمتلكوا الأم وأن تكون لهم من دون أن يشغلها شيء عنهم . حق شرعي .. ولكن في هذا الصدد يعرّف الدكتور نبيل السمالوطى - عميد كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر سابقًا ، الأرملة بأنها سيدة قُدر لها أن تفقد زوجها وسندها وعائلها، مؤكداً ، لموقع مدينة الرياض الرسمي ، أن المجتمع العربى مازال ينظر للأرملة نظرة تعاطف وتراحم باعتبارها ذات ظروف خاصة، وتحتاج لمن يساندها، ويدعم كفاحها. ويرى الدكتور السمالوطى أن هذه النظرة الإيجابية للأرملة قد تتغير نوعًا ما إذا أقبلت الأرملة على الزواج مرة أخرى فيعتبرها الآخرون جاحدة، وغير وفية لذكرى زوجها أو غير حريصة على أبنائها. ويتابع قائلاً : برغم أن هذا الزواج حق أساسي أجازه لها الشرع بعد انتهاء العدة، خاصة إذا كانت في مقتبل العمر، ولديها أطفال بحاجة إلى رعاية الأب، فلها أن تتزوج لكي تعف نفسها، وتكمل حياتها في ظل أسرة طبيعية، وعلى الزوج أن يكون رءوفًا رحيمًا بهم، وأن تكون لديه القدرة على التعامل معهم، بحيث يحل محل الأب في حياتهم، أما الحالات التي تظهر في صفحات الحوادث من أن زوج الأم يطرد أولادها، أو أن الأم "الأرملة" تتخلى عن رعاية أبنائها ما هي إلا حالات استثنائية شاذة لا يمكن القياس عليها في تحديد موقف المجتمع من زواج الأرملة. إلا أنه الدكتور السمالوطي يرى أنه إذا كان زواج الأرملة حقًا شرعيًا لها، فإن الأفضل لها أن تعكف على تربية أبنائها وتحيطهم برعايتها. مشيراً إلى أن الإعلام ظلم الأرملة فأظهرها متسيبة أخلاقيًا، وعلى الإعلام أن يتقى الله فيما يعرض، ينبغى عليه أن يعرض ما يجب أن يكون عليه دور وصورة الأرملة حتى تصبح قدوة لغيرها، لأن وسائل الإعلام تؤثر في تشكيل القيم والسلوك والتوجهات سواء فيما يتعلق بزواج الأرملة، أو كفاحها حتى لا يشوه هذه الصورة المشرفة.