في أوائل القرن العشرين. نشأت المدرسة الحديثة بعضوية أحمد خيري سعيد ومحمود طاهر لاشين ومحمد تيمور وحسين فوزي وغيرهم. كان أول ما عنيت به ترجمة أدب روسيا القيصرية ممثلاً في كتابات تولستوي وجوجول وديستويفسكي وتشيخوف وغيرهم. وعندما كانت العلاقة صحيحة فترة الستينيات بين مصر والاتحاد السوفيتي قرأنا عشرات الاعمال الادبية الروسية بأثمان زهيدة لكبار الادباء الروس من مختلف الاجيال. الاديب الكبير أحمد الخميسي يصل- هذه الايام- حلقات السلسلة. بترجمة الابداعات الروسية. بالادب الروسي بعامة. يتحدث الخميسي عن بداية علاقته بالادب الروسي: في 1972 لم أكن أعرف من الروسية كلمة واحدة. وتطلعت لأن أقرأ لتشيخوف بلغته الاصلية. وحصلت- بالفعل- علي الماجستير والدكتوراه في الادب الروسي من جامعة موسكو. وأتاحت لي سني الدراسة أن أتعرف إلي الشعب الروسي وثقافته. والحق أنه لم يدرس الادب الروسي في جامعة موسكو- من طلاب الدراسات العليا هناك- سوي د. أبو بكر يوسف وأنا. وكانت الدراسة فرصة للتعرف إلي الانسان الروسي. والروح الانسانية العالمية التي أجاد التعبير عنها العظيم تشيخوف في رائعته "لمن أسرد أحزاني" الانسان الروسي عاطفي جداً. وقد انعكس حسه الانساني في الابداعات الفنية. ثمة من يقول إن القصة القصيرة جاءت بمدرستين. إحداهما تنسب الفضل لموباسان. والثانية تري أن تشيخوف هو معلم القصة القصيرة. وفي الموسيقي نجد أن مقدمة المسلسل المصري "سمارة" مأخوذة من رحمانوف وأذكر أني ذهبت إلي دار عرض سينمائي لمشاهدة فيلم "الاطلال" المأخوذ عن نص روسي. فوجدت الكثير من المشاهدين قد أسلموا أنفسهم للبكاء. قلنا: ما قراءاتك في الأدب الروسي مترجماً قبل أن تقرأه بلغة بلاده؟ قال: علاقتي بالادب الروسي تعود إلي صباي. حيث كان لأبي مكتبة تضم الكثير من الاعمال الروسية. وقد أحببت ما قرأته منها. وتمنيت أن أقرأ الأدب الروسي في لغته الأم. أضاف إلي ذلك تبيني لعمق الصلات بين مصر وروسيا. ولعلنا نذكر أن محمد علي أوفد البعثات إلي روسيا قبل أن يرسلها إلي فرنسا. وقامت- في مراحل تالية- صداقات بين المثقفين الروس والمصريين. وحتي الآن فإننا لم نترجم المراسلات التي جرت بين الامام محمد عبده والكاتب الروسي النبيل تولستوي. قلنا: هل وجدت فرقاً بين الأدب المكتوب بالروسية والأدب المترجم؟ قال: هناك فرق كبير. ترجمة سامي الدروبي تختلف كثيرا لانه كان يترجم عن وسيط. هو الفرنسية. وعند محاولة إعادة الطبع. كلف الروس د. أبو بكر يوسف بمراجعة الاصل. وشاركته بعض جلساته. واكتشفنا أن هناك أشياء ليست موجودة في الاصل الروسي مثل البلاغة والمحسنات. ومفردات لم يفهمها المترجم. لانها من صميم الموروث الروسي. قلنا: لماذا- في تصورك- كان انقطاع الادب الروسي عن المكتبة العربية؟ قال: كان الانقطاع لسببين. أن الاتحاد السوفيتي- قبل تفككه- كان يصدر الادباء المرضي عنهم مثل جنكيز ايتماتو. وكان يمنع الادباء الذين يحملون بذرة تمرد. ثم سافر إلي موسكو مبعوثون مثل ماهر عسل ونجيب سرور ومكارم الغمري وفوزي فهمي ونور فرحات وماجدة صالح. تكونت منهم كوادر تتقن اللغة الروسية. لكن المتابعة لم تحدث. ثم جاءت البروستريكا. أوقفت دعم معهد الاستشراق ودار التقدم. وهما الجهتان اللتان كانت تصدران الادب الروسي المترجم. انقطعت الصلة. وتعمق الانفصال بين الادب الروسي والقراء العربي. والآن فإن متابعة الابداعات الروسية تأتي بمبادرات فردية. قلنا: ماذا عن الاتجاهات الحديثة في الادب الروسي؟ قال: هناك أدباء عمالقة. وإن كانوا مجهولين في بلادنا ثمة- علي سبيل المثال- أندريه يلاتوثا الذي قال عنه همنجواي: لو لم أقرأه ما كتبت العجوز والبحر. نحن لانعرف أيضاً يوري كوزاكوف. وهو مبدع حداثي جداً. توقنا عند حدود الادب الكلاسيكي. قلنا: ألا يتعارض هذا مع الدور الذي يتمناه الروس لأدبهم في المنطقة؟ قال: هذا صحيح. كيف يتحقق دور ثقافي ما لم تكن هناك ديمقراطية؟.. بدون الديمقراطية يختفي دور الأدب والادباء الحقيقيين. قلنا: ما مشروعاتك القادمة في مجال الترجمة؟ قال: مشروعي الآن ترجمة أندريه بلاطونا. لأنه يعد أهم ثاني كاتب روسي بعد تشيخوف وإن لم يترجم إلي العربية. قلنا: أخيراً إلي أي مدي تأثرت بوالدك الكاتب الكبير عبدالرحمن الخميسي؟ قال: لا أحد لم يتأثر بشخصية أبيه بشكل أو آخر. وقد تأثرت بطريقة حياة أبي. بأفكاره وميوله للتحرر والعدالة الاجتماعية. ومن المهم أن أشير إلي تأثري كذلك بيوسف إدريس. فأثره لايمحي. كما تأثرت بيحيي حقي وتوفيق الحكيم في أعماله الاولي مثل عودة الروح ويوميات نائب في الارياف وعدالة وفن وأيضا الكاتب الذي لم ينل حقه كاملاً حتي الآن. وهو إبراهيم عبدالقادر المازني. نحن نحتفي بأعمال الشرقاوي مثل الارض. وسعد مكاوي في السائرون نياماً.. لكننا نهمل- بلا سبب- ذلك المبدع الذي تعلو قامته فوق قامات الاخرين.