يدرك أكرم القصاص الفارق بين السخرية والاستظراف. ويدرك كذلك أن الكتابة الساخرة ليست اختياراً وليست بالنية وليست بغرض جلب الانبساط للقاريء. لكنها استعداد فطري لدي صاحبها. لذلك تأتي كتابته علي سخريتها وشقاوتها أكثر وجعاً وإيلاماً وتصيب الهدف مباشرة دون حذلقة أو فذلكة ودون تقمص شخصية المفكر الاستراتيجي!! ربما يكون كتاب أكرم القصاص الجديد "عولم خانة" الذي صدر عن "دار حواديت" أكثر تعبيراً عن هذه الحالة. فالكتاب بمقالاته المتنوعة والضاربة في أكثر من موضع. يفصح عن هذا الحس الساخر المؤلم. كما يفصح كذلك عن الجدية الشديدة. وأيضاً الجدة التي يتناول بها القصاص موضوعه.. لا يقدم أكرم القصاص في كتابة مرثية لعالم الأبيض والأسود أو لما يطلقون عليه "الزمن الجميل" ولا يسعي إلي الوقوف علي الأطلال. بقدر ما يرمي إلي أن "الإنسان العوالمي" تحول إلي مجرد سلعة وهدفاً للتجار علي كل شكل ولون.. من تجار المخدرات والأسلحة إلي تجار الصابون والشيبسي. ويحرص أكرم القصاص في لغة بسيطة ومنسابة علي وضع مقارنات بالأرقام بين ما يفعله الأثرياء مثلاً للحصول علي قوام رشيق وبين ما يفعله مواطن غلبان في البحث عما يقيم أوده وينقذه من المجاعة هو وأهله. وكيف أن ما ينفقه الأثرياء علي الرشاقة يكفي لإنقاذ العالم كله من المجاعات. هذا كتاب أبدعه صاحبه برشاقة ونبل يضحك ويبهج ويثير في الوقت نفسه الكثير من علامات الاستفهام حول العولمة وسنينها.