حين أصدر الرسول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم تعليماته بالتجهيز لغزوة تبوك استجاب الصحابة وأعد كل منهم العدة استعداداً للقيام بهذه المهمة. وكان من بين هؤلاء كعب بن مالك حيث أخذ يتجهز لكنه في كل مرة كان يخرج لانجاز هذا الأمر كان يعود دون إنهاء التجهز وهكذا ظل يماطل حتي خرج الرسول صلي الله عليه وسلم مع أصحابه لهذه الغزوة بينما ظل كعب بن مالك مع أكثر من ثمانين آخرين تخلفوا عن الخروج. ومضت الأيام سريعاً والحزن لم يفارق كعب بن مالك لعدم خروجه لأنه كان يتمتع بكل الامكانيات التي تتيح له الخروج للمشاركة في هذه الغزوة رغم أنه لم يتخلف عن أي غزوة غزاها رسول الله صلي الله عليه وسلم. ظلت هذه المرارة تغلي في صدر كعب بن مالك كما حكي لابنه عبدالله واستمرت هذه المعاناة حتي عاد الرسول صلي الله عليه وسلم من الغزوة وقد أخذ كعب يسأل نفسه كيف أخرج من سخط الرسول؟! ومن خلال تردد هذا التساؤل في صدره تحرك نور اليقين في وجدانه فكان التصميم علي اللجوء إلي الصدق أيا كانت النتائج ومهما تكن المرارة وقد ظل هذا التصميم قوياً في صدره حتي أقبل الناس علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وجاء المخلفون حيث أبدي كل منهم عذره ويحلفون تأكيداً لاعتذارهم وعندما جاء دور كعب تقدم نحو رسول الله صلي الله عليه وسلم وحين جلس بين يديه صلي الله عليه وسلم سأله قائلا: ما سبب تخلفك؟ فقال كعب: لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لكان في استطاعتي أن أخرج من سخطه بعذر خاصة أنني أجيد هذه المجادلة. لكن إذا تحدثت معك كذباً لترضين عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ ولئن حدثتك حديثاً صادقاً تجد علي فيه إني لأرجو عقباي من الله. ثم مضي يقول والله لم يكن لي عذر رغم أنني كنت ميسوراً بصورة لا تسمح بتخلفي وهنا قال له الرسول: أما هذا فقد صدقت. فقم حتي يقضي الله فيك. عندما عرف أهله وأقاربه أخذوا يؤنبونه وظلوا يرددون كان في مقدورك أن تعتذر كالآخرين وأخذوا يلحون في هذه الأقوال حتي كاد يتراجع عن أقواله أمام الرسول لكن هداه الله لأن يسأل هؤلاء الذين كانوا يريدون أن يفعل كالآخرين حيث قال: هل سبقني إلي الصدق أحد؟ فقالوا: نعم سبقك هلال بن أمية ومرارة بن الربيع. وهما من الصالحين. فاقتدي بهما وزاد التصميم في داخله. أمام موقف هؤلاء الثلاثة الذين كان الصدق الخالص في أقوالهم. كانت أوامر الرسول باعتزالهم وعدم الحديث معهم من أي صحابي وقد امتثل الجميع فكانت المقاطعة أكثر إيذاء للثلاثة ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل كان الأمر لنسائهم باعتزالهم حتي مرت خمسون ليلة ثم جاء الفرج من عند الله ونزلت الآية الكريمة تحكي صدق هؤلاء الثلاثة وعزيمتهم الإيمانية القوية يقول الله تعالي: "وعلي الثلاثة الذين خلفوا حتي إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إنه هو التواب الرحيم" التوبة. يكفي هؤلاء الثلاثة شرفاً تكريم الله لهم في ذكر قصتهم وصدقهم بالقرآن. هذه الواقعة نضعها أمام كل إنسان مسلم من أبناء عالمنا هذه الأيام.. لكي يدرك أن سبب توبة الله علي هؤلاء الثلاثة هو الصدق فالصدق منجاة وليت كل مسلم يستوعب هذا الدرس جيداً. وأن يراجع نفسه ويجعل قوله تعالي في سورة التوبة نصب عينيه "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" وفي سورة ق "إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد".