تعددت الأحكام في تاريخ الفن. قيل إن عصر الشعر انتهي. وعصر المسرح انتهي. وعصر الرواية انتهي. وعصر القصة القصيرة انتهي.. لكن كل الأجناس بقيت. وتداخلت. ولعل أهم عوامل المفارقة بين الأجناس الأدبية المختلفة. ان كل جنس لابد أن يقيم عالمه الخاص به. قد يفيد من جنس أو آخر. لكنه يقدم في النهاية جنسه الخاص. صورته المتميزة. يقول رولان بارت: إن الحكاية كامنة في الأسطورة والخرافة والقصة والرواية والملحمة والتاريخ والمأساة والملهاة والمشهد الصامت واللوحة المرسومة والزجاج الملون والأحداث المختلفة والحوار بين الأفراد. وهي موجودة تحت أشكال تكاد أن تكون غير متناهية في كل الأزمنة والأكمنة. في كل المجتمعات. الحكاية. الحدوتة هي الدعامة الأولي في بناء أي عمل روائي. ثم تأتي بقية الدعامات. وهي بالنسبة للتقنية عندي الإفادة من العناصر والمقومات في وسائل الفنون الأخري. كالفلاش باك في السينما. والتقطيع في السينما أيضاًً. والتبقيع في الفن التشكيلي. والهارموني في الموسيقا. ودرامية الحوار في المسرحية إلخ.. أومن بقول بريخت: "يجدر بالكاتب لكي يسيطر علي القوة الدينامية للواقع أن يفيد من كل الوسائل الشكلية المتاحة. بصرف النظر عن جدتها أوقدمها". نحن نجد في الرواية رداً علي كل ما طرح من أسئلة وهي تقدم ردها بصورة أعمق وأشد وضوحاً من الفنون الأخري كالشعر والموسيقا والرسم وغيرها. إنها كما يصفها بعض النقاد الأوروبيين فن المشكلات. بوسعها وحدها أن تعالج كل الأبعاد للمشكلة الواحدة. الرواية تجسيد للحياة علي نحو أعمق. بينما وسائل التعبير الأخري قد تعني ببعد واحد. فثمة اللون والرسم. والحركات التي تستهدف توترات صاخبة الموسيقا. والمزاوجة بين اللغة وفهم الحياة الإنسانية. وفي تقديري أن إفادة الرواية من الفنون الأخري كالموسيقا والتشكيل والشعر وغيرها. يعني إفادتها بلغة ساروت من مخصبات تضيف إلي الأرض المنهكة تجدد حياة. الرواية الحديثة تفيد من الموسيقا: التركيب الموسيقي للسيمفونية مثلاً أو التركيب الموسيقي للسوناتا. كما تفيد من فهم الفنان التشكيلي للشكل. ومن فن المونتاج في السينما. علي الروائي أن يثري إبداعه بإسهامات الفنون الأخري. بما تملكه الفنون الأخري من خصائص جمالية وتقنية. فيتحقق للنص الأدبي أبعاد جديدة أشارت إليها ناتالي ساروت وتتحقق كذلك أبعاد جديدة للفنون الأخري أوافق أدونيس واختلافاتي معه كثيرة في أنه يمكن للقصيدة أن تفيد من الرواية كثيراً. والرواية تفيد من الشعر كثيراً. وبهذا المعني تتداخل الأنواع. لكن تظل الرواية رواية. والقصيدة قصيدة. ذلك لأن الموضوع الذي يصلح في الرواية. قد لايصلح أو أنه لا يصلح في القصة القصيرة. والعكس صحيح. وإلا فلا معني لاختيار الفنان هذا الجنس الأدبي أو ذاك.