لا تنجح الأمم وتتقدم إلا إذا تخلصت من مظاهر الفساد وقضت عليه تماما فلا توجد علي ظهرالمعمورة دولة ناجحة والفساد ينخر في عظامها. والفساد في مصر نوعان: فساد الكبار وأصحاب النفوذ. وفساد الصغار والفقراء. فأما فساد الكبار فينحصر في استخدام نفوذهم في الحصول علي مكاسب مستمرة من خلال سلطاتهم. أما فساد الصغار والفقراء فأخطر ممارساته الرشوة.. والرشوة صفة أصيلة في المجتمع المصري منذ سنوات بل وقرون طويلة مضت ويذكر لنا التاريخ أنواعاً مختلفة من الرشاوي ورثناها عن أسلافنا أو حكامنا ومنهم المماليك الذين حكموا مصر أكثر من عشرة قرون أسسوا فيها الفساد والمحسوبية والرشوة والتوريث والخيانة والتلاعب اللفظي والمهني ومنها حكاية رشوة نسائية يحكيها التاريخ عن نفيسة البيضاء أو أم المماليك وهي جارية شركسية كانت جميلة جمالا لم يكن مألوفاً لدي المصريين في فترة حكم علي بك الكبير الذي اشتراها كما يقال من بلاد الأناضول وهناك قول آخر من القوقاز أو بلاد القرم ومن شدة جمالها تزوجها سيدها علي بك الكبير بعد أن أعتقها وبني لها داراً تطل علي بركة الأزبكية في درب عبدالحق كما يقول محمود الشرقاوي في كتابه "دراسات في تاريخ الجبرتي". وكان لدي علي بك الكبير حاكم مصر آنذاك مملوك آخر اسمه مراد عندما رأي نفيسة وقع في هواها وأصبح مستعداً لعمل أي شيء مقابل الحصول علي هذه المرأة الجميلة وهنا مغزي القصة انه ذهب لمحمد أبو الذهب الذي كان يتصارع علي حكم مصر مع علي بك الكبير وعرض عليه خيانة سيده علي بك الكبير مقابل أن يزوجه نفيسه البيضاء. وبالفعل نجحت خيانة مراد لسيده علي بك الكبير الذي قُتل عام 1773 وتزوج مراد من الجارية الجميلة التي كانت الرشوة التي تغير بها جزء من تاريخ مصر نتيجة خيانته. وحكم المملوك الخائن مصر بعد موت الخائن الأول محمد أبو الذهب لمدة تزيد علي 20 سنة. وهكذا كان حكم المماليك الذي ورثه المصريون من بعدهم قائماً علي الرشوة والخيانة والغدر ولا ضوابط ولا قواعد فالسلطة أهم من حياة البشر ومن مستقبل الأمم ولعل تاريخنا المعاصر يترجم ما فعله المماليك في بنية المجتمع المصري وأسس لقواعد الفساد التي لا نزال نعاني منها حتي يومنا هذا وأخطر هذه القواعد الرشوة والمحسوبية والوساطة. وقد احتلت مصر في تقرير منظمة الشفافية الدولية عام 2001 المرتبة 118 علي مستوي الدول الأقل شفافية وكان عددها 170 دولة وشمل الفساد قطاع المشتريات الحكومية وتقسيم وبيع الأراضي والعقارات والضرائب والجمارك والتعيينات الحكومية وقطاع المقاولات وتخصيص الأراضي وعمولات السلاح والنقل والدفاع وقطاع الاتصالات والهواتف المحمولة والثابتة وتجارة الدعارة وتجارة المخدرات وتجارة العملة وشراء ذمم الصحفيين.. وللحديث بقية.