كادت مأساة 5 يناير 1856 تتكرر في العصر الحالي ففي هذا اليوم وقَّع سعيد باشا علي منح امتياز قناة السويس للمهندس الفرنسي ديليسبس.. وبموجب هذا التوقيع دارت مصر في دائرة الديون وخضوعها لمناطق النفوذ وتعرضت للاحتلال البريطاني. كان يمكن أن تكون ملكية مصر لقناة السويس بنسبة 100% لولا هذا العقد الشاذ الذي بموجبه حصل ديليسبس علي كل شئ.. فقد سددت مصر 16 مليون فرنك تم دفعها في صورة أسهم كما تنازلت عن أملاك لها وقامت بأعمال البنية الأساسية ودفعت تعويضات بدون مبرر للشركة بعد تكوينها.. وتضمن العقد العجيب الزام مصر بشق ترعة للمياه العذبة علي نفقتها وتكون صالحة للملاحة النهرية وبها فرع لمياه الشرب وأن تتنازل الحكومة المصرية عن كل الأراضي المملوكة لها لإنشاء القناة وملحقاتها وأن تترك مسافة 2 كيلو متر من الجانبين علي طول مجري القناة.. كذلك ألزم العقد الحكومة بضمان انتزاع ملكية الأراضي اللازمة لها والتي يملكها الأفراد مقابل تعويض عادل يضاف إلي ذلك انه علي أصحاب الأراضي الزراعية الواقعة علي ضفاف الترع التي أنشأتها الحكومة لصالح شركة القناة إذا أرادوا ري أراضيهم عليهم الحصول علي تراخيص من الشركة وسداد الرسوم التي تطلبها الشركة مع العلم بأن هذه الترع أنشأتها الحكومة المصرية علي نفقتها.. وتعهدت الحكومة بتشغيل 25 ألف عامل في حفر القناة.. وتركت للشركة حق فرض ما تشاء من الرسوم المارة في القناة.. كذلك تضمن العقد أن تحصل مصر علي حصة قدرها 15% من صافي الأرباح.. وقد خسرت مصر هذه النسبة عندما ارتبكت الأحوال المالية نتيجة القروض التي حصل عليها إسماعيل خديو مصر. والغريب أن رأس مال شركة قناة السويس كان 200 مليون فرنك موزعة علي 400 ألف سهم وقيمة السهم 200 فرنك.. واكتتب سعيد باشا في رأس مال الشركة بعدد 177 ألف و642 سهماً أي أكثر من نصف رأس المال.. وهكذا تم إنشاء شركة فرنسية للقناة رغم انها كلها من أرض إلي رأس مال إلي عمال.. كلها مصرية 100% ومرت سنوات وعاد التفكير في اقامة مشروعات تنموية.. والنهوض بكل المناطق المحيطة بالقناة. وكان عقد امتياز حفر القناة يتكرر مع حكومة الإخوان عندما عرضت دولة قطر أن تضخ عدة مليارات كاستثمارات فيها.. واختارت قطر مساحة 90 كيلو متراً. شرق التفريعة لتقيم عليها المشروعات والتي من خلالها يتم تحويلها لمركز لوجستي عالمي ومخازن ومناطق تجارة عالمية علي أن تكون بحق الانتفاع تماما مثل قناة السويس. وكاد الأمر يصل إلي أن تخضع القناة لنظام الصكوك وعندما انتشر الخبر وثارت المعارضة.. قامت حكومة الإخوان بتكذيبها.. وعادت مشروعات القناة تطفو علي السطح مرة أخري طبقاً للأسس العالمية الاقتصادية.