مصر هذه الأيام علي أبواب مرحلة جديدة بعد ثورة الشباب والشعب في 25 يناير. الكل يتطلع إلي جني ثمار هذا النجاح خاصة بعد سقوط رموز الفساد وصدور قرار النائب العام المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود بحبس الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال 15 يوماً. فمن كان يتصور ولو في الحلم أن يحدث ذلك. أنها الأقدار ومشيئة الله. لكن في نفس الوقت الأمر يتطلب التريث والرَّوية والحكمة في الحد من المطالب الفئوية وغيرها ومنح القائمين علي شئون الدولة الفرصة لالتقاط الأنفاس. وتدبير الموارد لتلبية احتياجات المواطنين من السلع وتوفير فرص العمل للشباب وتحقيق المطالب لمختلف الفئات. علي الجانب الآخر لابد أن ندرك أن السوق يعاني من مشاكل كثيرة نتيجة تعطل عجلة الانتاج في كثير من المواقع بالإضافة إلي ركود حركة السياحة وضعف الوارد للأسواق من السلع الغذائية والمنتجات الزراعية والخضراوات مما أدي إلي موجة غلاء للأسعار يتحمل العبء الأكبر منها المواطن البسيط وناهيك عن انتشار البلطجية وانتهاز الفرصة لتحقيق مكاسب وثروات علي حساب البسطاء. انها بلا جدال صورة بغيضة للحصول علي المال الحرام. لا شك أن حالة الانفلات الأمني التي يعاني منها الشارع المصري في مختلف المناطق بالقاهرة والمحافظات هي الأخري تلعب دوراً مهماً في تقليل الوارد من مختلف السلع علاوة علي جشع التجار وأطماعهم في اخفاء البضائع في محاولة لتعطيش السوق وبالتالي غلو في الأسعار وتحقيق حلم الثراء السريع بأقل جهد وفي أوقات سريعة. كل ذلك علي حساب المواطن البسيط فهو الذي يدفع قيمة الفاتورة لهذه العناصر المستغلة. في الآونة الأخيرة انتشرت أزمة طاحنة في أنابيب البوتاجاز فأضافت بعداً جديداً. أشعل الأسعار وقد وصل سعر الأنبوبة أكثر من ثلاثين جنيهاً. هذه الظاهرة تسببت في نشوب معارك بالمدن والقري والنجوع. وسعر الأنبوبة يتحدد وفقاً لمزاج صاحب المستودع ضارباً عرض الحائط بالأسعار المقررة والويل كل الويل لمن يعترض. والأكثر غرابة أن أصحاب المستودعات يسلمون الأنابيب للباعة الجائلين مفضلين هذا الأسلوب للحصول علي مبالغ مالية محددة من كل بائع. وبالتالي يتركون المستهلك لعمليات نهب واستغلال نتيجة قلة المعروض من أنابيب البوتاجاز. ولا تخلو أي منطقة شعبية وفي المدن والقري من مشاجرات بين الباعة والمواطنين دون أن يجد المستهلك أي جهة يمكنه اللجوء إليها لمنع هذا الاستغلال. وقد تلقيت شكاوي تؤكد أن المواطن البسيط يتعرض للاعتداء من بعض أصحاب المستودعات والباعة وللأسف لم يستطع تحرير محضر بهذه المخالفات لغياب رجال الشرطة. وسط هذه الموجة من غلاء الأسعار والانفلات الأمني. يقف البسطاء من أبناء شعبنا في حيرة شديدة. وبلا اجابة لاستغاثتهم وحمايتهم من غول ارتفاع الأسعار بصورة تثير الأسي والاستياء. ويتساءل كثيرون إلي متي يظل الغلاء. وما هي الوسيلة التي تعيد للأسواق حالة التوازن ويصبح المعروض ملبياً لمختلف الاحتياجات؟! ومما يضيف إلي هذه الموجة من الغلاء أبعاداً أخري علي جانب كبير من الأهمية وتزيد من اشتعال الأسعار أكثر أن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أوضح أن هناك تراجعاً في أرصدة السلع الغذائية الاستراتيجية. من ذلك علي سبيل المثال أن احتياطي الأرز التمويني لا يكفي إلا لشهر واحد والسكر الحر يكفي لشهر وبضعة أيام. أما القمح يكفي لأربعة أشهر وأيام قلائل. وهي فرصة قد يغتنمها كثير من التجار مما يلهب كاهل المواطن. هذا الانفلات في السلع والمعروض منها يتطلب مواجهة حازمة من كل الأجهزة الرقابية والقائمين علي شئون حركة السوق من وزارة التضامن الاجتماعي. وذلك لتدارك الأمر قبل فوات الأوان. ولابد من تضافر الجهود للقضاء علي مظاهر الاستغلال. وتحقيق التوازن بين العرض والطلب مما يؤدي إلي انخفاض الأسعار والحد من جنون ارتفاعها بحيث يحصل المستهلك علي السلع بلا معاناة أو غلاء في السعر. ولتحقيق هذه الأهداف هناك بعض المقترحات نقدمها للأجهزة المسئولة عن حركة الأسواق لعلها تساهم في انفراج الأزمة من ذلك. * عودة الأمن والاستقرار للطرق وتأمين وسائل النقل بين مواقع الانتاج والأسواق. وتنظيم مراقبة دقيقة لبلطجية الطرق. * قيام هيئة السلع الغذائية بالتعاقد مع المزارعين وغيرهم من المستوردين وتزويد المجمعات ومنافذ البيع بهذه البضائع والسلع وعرضها بأسعار مناسبة في محاولة لضبط حركة السوق أو علي الأقل الحد من ارتفاع الأسعار بصورة عشوائية. * اتخاذ التدابير اللازمة لتشجيع المزارعين والمستوردين ودراسة معوقات الانتاج أو الاستيراد. وتحقيق أسعار تشجع الفلاح علي زراعة المحاصيل كالقمح والذرة لتلبية الاحتياجات. وبحث كافة معوقات علي أرض الواقع وتطبيق أفضل الوسائل للضرب علي أيدي البلطجية ومحترفي استغلال نقص السلع. * الاقبال علي شراء القمح من المزارعين في الموسم الجديد بأسعار تدفع الفلاح للإقبال علي زراعته. واستخدام أحدث الأساليب العلمية لحفظ المحصول بعيداً عن تشوين القمح في مناطق مكشوفة تجعله نهباً للعصافير ووسائل التعرية الجوية. أعتقد أن تلك الخطوات وغيرها من المبادرات التي لدي الأجهزة المختصة بحركة السوق تساهم في ضبط حركة البيع والحد من ارتفاع الأسعار. واتخاذ كافة التدابير لانطلاق عجلة الانتاج. لكي يشعر المواطن البسيط بثمار الثورة المباركة.