سنوات وهو يسبح ضد التيار.. كلما حدثته عن هموم الوطن يأتيني صوته ثائرا.. متوجسا.. حزينا علي وضع يزداد سوءا، وفساد يزداد انتشارا وجبروت يزداد سطوة ونفوذا.. بعد ثورة 25 يناير جاءني صوته مختلفا.. نبرات الناشط السياسي المهندس أحمد بهاء الدين شعبان تمتلئ هذه المرة بالفرحة.. الحماس.. التفاؤل بثورة الشعب.. بالرغم من المخاض الصعب.. وبالرغم من محاولات الالتفاف.. والمؤامرات التي لم تتوقف لإجهاضها.. إلا أن يقينا داخله يدفعه للإيمان بأن نجاح الثورة في تحقيق أهدافها ليس بالأمر البعيد.. ورهانه كما كان ودائما علي يقظة ضمير الأمة ووعي الجماهير وقوة إرادة الشعب التي كشفتها بوضوح الثورة.. وبها وعليها تتعلق الآمال لتحقيق حلم التغيير الحقيقي وإسقاط نظام فاسد بكل رموزه الظاهرة والمختفية في الجحور.. حتي نعيد مصر إلي المكانة التي تليق بها ولشعبها الصدارة التي يستحقها. ❊ في البداية سألت المهندس أحمد بهاء الدين شعبان عن التحديات التي تواجه الثورة في المرحلة الحالية؟! لاشك أن تنحي مبارك وتقديم بعض رموز السلطة وعلي رأسهم أحمد عز للمحاكمة تعد خطوة مهمة علي طريق تحقيق أهداف الثورة والتي كان علي رأسها إسقاط الرئيس ونظامه.. إلا أن ماحدث ليس كافيا لضمان تحقيق باقي أهداف الثورة.. فمازالت هناك رموز أخري للنظام موجودة وتحكم كثيرا من المواقع.. كما أن الأجهزة الأمنية وخاصة أمن الدولة التي لعبت دورا كبيرا في قمع الشعب وقهره وإذلاله لازالت تمارس دورها في الحكم.. كما أن الحزب الوطني متمثلا في بعض قياداته ورموزه يدير شئون الدولة ومازالت طبقة الرأسمالية التي تدين بالولاء له قائمة.. وهو ما يعني أن النظام بركائزه الأساسية مازال موجودا وهو مايثير قدرا كبيرا من المخاوف. ومع ذلك فقناعتي أن هناك أمرين يقللان من حجم هذه المخاوف أولهما قوة الزخم الشعبي ووضوح الرؤية لدي الجماهير التي أصبحت تدرك جيدا أنه مالم يتم تصفية ركائز نظام مبارك فإن الوضع لن يتغير، إلا أن استدعاء هذا الزخم الشعبي كفيل بتحقيق الهدف من القضاء علي نظام مبارك كله، والدليل علي ذلك ماحدث يوم جمعة ا لنصر والتي حضرها عدة ملايين في رسالة واضحة أنها مستعدة لتلبية النداء والاستجابة الفورية للتصدي لأي محاولة لإجهاض الثورة ومنع تحقيق باقي أهدافها وكفيلة بحماية حلم التغيير. إضافة إلي الزخم الشعبي فإن وجود القوات المسلحة في صدارة المشهد وإصرارها علي محاربة الفساد وتأكيدها علي مشروعية مطالب الثورة وإنها لن تخزل الجماهير كل ذلك يدفع للتفاؤل أيضا بأن نظام مبارك كله سيسقط لا محالة. ❊ في مقابل تفاؤلك هذا هناك من تثاوره الشكوك حول إمكانية تحقيق الأهداف.. وهنا مكمن الخطر الذي ترجمته عبارة قالها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بأن نصف ثورة هلاك أمة؟! بالطبع كلامه وتخوفاته صحيحة إلا أن يقيني بأن ثورة 25 يناير سيكتب لها النجاح ولن تتمكن أي ثورة مضادة في وئدها لأنها ثورة لم تقتصر علي حزب أو فئة أو قطاع وإنما هي ثورة شعب ومن ثم يصعب إجهاضها أو وأدها. ❊ ماذا عن محاولات الإلتفاف التي يقوم بها بعض أقطاب الحزب الوطني؟! لا أنكر أن خطر الحزب الوطني مازال قائما ومكمن خطورته أنه يضم أصحاب مصالح أثرت ونما فسادها علي أكتاف السلطة، ويدركوا جيدا أن التغيير الحقيقي وقيام عهد جديد تبدأ أول خطواته بمحاسبة هؤلاء علي جرائمهم واستغلالهم لنفوذهم وهذا ما يدفعهم للاستماتة في الدفاع عن الحزب وهنا يكمن الخطر. ❊ ربما يكون الأخطر ماتردد عن قيام أحد رموز النظام بتأسيس حزب يحمل اسم 25 يناير.. كيف تري ذلك؟! في رأيي أنه نوع من العهر السياسي.. فمثل هؤلاء كانوا عونا للنظام الفاسد وركنا من أركان المستبد.. تمرغوا في خيراته وعندما ثار الشعب عليه نزعوا عنهم الثوب القديم وحاولوا أن يظهروا بصورة الثوار.. وليسوا وحدهم في ذلك بل شاركهم أيضا بعض أبواق السلطة من الإعلاميين وبعض رؤساء تحرير الصحف الحكومية. ❊ غياب وجوه كانت متصدرة المشهد السياسي أمثال فتحي سرور وزكريا عزمي وصفوت الشريف هل تراه مؤقتا أم أنه اختفاء بلا رجعة؟! بالطبع جاء اختفاء هؤلاء لسبب واحد أن هناك تيارا هائلا من الكراهية الشعبية لكل أركان ورموز النظام السابق.. وأدرك هؤلاء أن الجماهير لاتريد أن تراهم.. ومع ذلك أعتقد أنهم ليسوا بعيدين عما يجري من محاولات الالتفاف وتدبير ثورة مضادة لانهم اعتادوا الحياة في كنف السلطة ومن ثم فهم أدمنوا ا للعبة السياسية بما تتضمنه من مناورة وآلاعيب وحيل لضمان المحافظة علي المكاسب التي يحصدها هؤلاء من بقائهم في صدارة المشهد السياسي.. فهم لايريدون أن يعيشوا في الظل ومن ثم لاتكف محاولاتهم للعودة إلي صدارة الصورة إذا ما أتيحت لهم أي فرصة لذلك.. وإن كنت أري أن تحقيقهم لهذا الهدف ليس بالأمر السهل فيقظة الجماهير كفيلة بإبعادهم إلي غير رجعة.. وهي تحملهم مسئولية فساد الأوضاع وتدهورها والجحيم الذي عانت منه طوال 30 عاما الماضية.. وهو ما إنعكس بوضوح في الهتافات التي رددها الثائرون المنددة بجرائم الفساد وسرقة ونهب الأموال وتزوير الانتخابات. ❊ الحديث عن الفساد يدفعني للتساؤل هل تري أن مواجهة الفساد السياسي يسير علي نفس وتيرة مجابهة الفساد المالي أم أن هناك تباطؤا يتطلب الحاجة لمزيد من الخطوات الأكثر سرعة؟! بالطبع مواجهة الفساد السياسي هو هدف أكثر خطورة لأن تزوير الانتخابات وتزييف إرادة الشعب أدت إلي تدمير الحياة السياسية وتخريبها وإهدار الطاقات الفعالة التي لا هدف لها سوي صالح مصر.. إلا أن الكشف عن الفساد السياسي أمر صعب خاصة بعد احتراق مقر الحزب الوطني والذي لايشك أحد في أنه جاء متعمدا للتخلص من الوثائق الهامة المتعلقة بالتزوير خاصة، نفس الشئ ينطبق علي حرق كثير من الوثائق الموجودة في مباحث أمن الدولة والهدف من ذلك إخفاء معالم الجريمة وبالتالي يصعب المساءلة والحساب عليها. ❊ ومع ذلك هل مازلت تري أن الأمل مازال قائما لاكتشاف هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها؟! بالطبع سيحدث ذلك وإن كان هناك قلق من التباطؤ في كشف جرائم الفساد السياسي إلا أن ذلك لايمنع أن يوما ما سيأتي وتنكشف كل وقائع الفساد ابتداء من قمع المعارضين وتزييف إرادة الجماهير وتزوير الانتخابات، وفتح أبواب السجون لإشاعة الفوضي، وجريمة الاعتداء علي المتظاهرين واستخدام الأسلحة الحية لضربهم، والمولوتوف والقناصين وغيرها من الجرائم التي أرتكبت في موقعة الجمل الشهيرة وعلي امتداد أيام الثورة.. ومن المؤكد أن الجماهير لن تهدأ إلا بعد محاسبة جميع المسئولين عن هذه الجرائم. ❊ نعود للفساد المالي هل تري أن قرار تجميد أرصدة الرئيس السابق حسني مبارك وأسرته جاء في وقته أم تأخر بعض الشيئ؟! هذا القرار وقرارات كثيرة غيره أري أنها تأخرت بعض الشيء ولعبت الظروف التي تمر بها البلد خلال هذه الفترة في ذلك ومن المؤكد أن خطورة التأخر تكمن في أنه سمح لمبارك وأسرته وكذلك العديد من رموز النظام لتهريب جانب من الثروات العينية مثل الذهب والمجوهرات والدولارات الورقية، ومن ثم كان من المهم التبكير في اتخاذ قرار تجميد أرصدة هؤلاء لكن في النهاية لايمكن إنكار أن صدور القرار يعد أمرا حسنا للغاية وإن كان يتطلب المتابعة واستكمال الإجراءات الكفيلة باستعادة كل الأموال المنهوبة. ❊ استخدام البعض للإخوان المسلمين كفزاعة هل تراه فقد صلاحيته بعد إعلان الإخوان عن تأسيس حزب الحرية والعدالة؟! في رأيي أن مانشر عن الحزب يجعل مصادر القلق من الإخوان تزداد، فمازال موقفهم من المسيحيين ومن تولية المرأة لم يتغير وتضعهم في مرتبة أدني. ❊ لكنهم أعلنوا أن هذا الموقف خاص بالإخوان فقط ومن حق أي قوي أخري ترشيح قبطي أو إمرأة للرئاسة؟! يبدو هذا الموقف من الإخوان أقرب لمن يرغب في القبض علي العصا من منتصفها. ❊ وهل تري أن هذا الموقف من شأنه أن يثير خلافا لا تحمد عقباه بين القوي الثورية خاصة أن الإخوان شكلوا أحد عناصر تلك القوي؟! لا أتخوف من ذلك فهناك هدف واضح للجميع وهو بناء مجتمع جديد ودولة مدنية لاتميز بين المواطنين علي أساس الدين أو الجنس أو اللون، وتحقيق ذلك يتطلب قدرا من المرونة وأري أن استخدام الإخوان كفزاعة أمر غير مُجدي يشبه تماما استخدام البعض لليساريين أو الشيوعيين كفزاعة أخري ، لايجب أن ننسي أن الثورة شارك الجميع فيها باختلاف الإنتماءات الأيديولوجية والدينية، ومن الصعب أن تستأثر بها أي قوي أو فصيل فالكل أبلي فيها بلاء حسنا، والشعب نجح بالثورة في تجاوز هذه الحساسيات ومن يراهن علي شق الصف لن ينجح، بعد أن تبين أن وعي الجماهير أكثر عمقا من إدعاءات المثقفين والمتحذلقين. ❊ إثارة الجدل حول المادة الثانية بالدستور والمتعلقة بأن الدين الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع هل تري أن توقيت إثارته متعمد ويعد محاولة أخري لشق الصف؟! لا أستبعد ذلك خاصة أن عمل اللجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية الحالية يقتصر علي مواد معينة ولا تتطرق لباقي المواد والكل يعرف أن وراء كل ذلك تحركات الجماعات السلفية مدفوعة من بقايا النظام عموما هذا الجدل الدائر حول المادة الثانية من الممكن التعامل معه ببساطة عن طريق وضع ضمانات صارمة تمنع الانقلاب علي مبدأ المواطنة ومن ثم يصبح من الصعب علي أي قوي استغلال أي مادة للانتقاص من فرصة أي فرد وحرمانه من أي حق من حقوقه السياسية. ❊ يري البعض أن التغيير المطلوب يتطلب مدة أكبر من الستة أشهر التي تعهد بعدها المجلس الأعلي للقوات المسلحة من تسليم مهامه ويتخوف آخرون من مد هذه الفترة؟ إلي أي الرأيين تميل؟! أري أنه من الضروري إعطاء مهلة أطول للقوات المسلحة لإنجاز مهامها لضمان إحداث التغيير المطلوب وإتاحة الفرصة كاملة لكل القوي من المشاركة في الحياة الساسية فمن المؤكد لو أن تمت انتخابات في ظل هذا الوضع ستكون الفرصة أكبر أمام الحزب الوطني والإخوان، أما باقي القوي والأحزاب فتحتاج لفترة أطول لتكون قادرة علي المنافسة، ربما تزيد علي عام، وهذه الدعوة قد تقلق البعض من أنها تمهيد لإبقاء القوات المسلحة ربما ينتهي الوضع ببقائها طويلا، لكن هذا التخوف يتضاءل أمام إعلان المجلس الأعلي للقوات المسلحة من اليوم الأول وعبر بياناته المتلاحقة بأنه لا يطمح في الحكم، والكل يثق في ذلك خاصة أن أعباء الحكم شاقة جدا خاصة في هذه الفترة حيث أجهزة الدولة منهارة والفساد متوغل والاستحقاقات الفئوية مؤجلة محتقنة، وحل هذه المعضلة يتمثل ببساطة في تشكيل هيئة رئاسية مكونة من مجموعة من المدنيين وأحد العسكريين لإتمام العملية السياسية بهدوء إبتداء من تشكيل حكومة مدنية وحسم إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية. ❊ من أكبر المشاكل ا لتي تحول دون تحقيق ذلك هو رفض الثورة لحكومة الفريق أحمد شفيق، هذا الرفض لم يقلل منه تغيير بعض الوزراء والاستعانة بشخصيات تحظي بقدر كبير من الإحترام والثقة؟! كثير من الناس يري أن الحكومة القائمة هي تركة خلفها الرئيس السابق ومن ثم رفضوا كل من شارك فيها لأنه يعد مدانا ومشاركا بدرجة ما في الفساد الذي بلغ عنان السماء وليس للركب كما وصفه أحد المسئولين في النظام السابق، وعليه فلا يثق هؤلاء في قدرة الحكومة علي محاربة الفساد لأن الكثير أعضاؤه شارك وكان جزءا فيه. حتي بعد دخول الشخصيات التي تتحدثين عنها ومع احترامي الكامل لها إلا أني أشك في أنها ستنجح في إحراز أي هدف لها، فهي حكومة انتقالية عمرها قصير ومرفوضة من رأي عام يرفض غالبه التغيير في الوجوه ولايقبل بأقل من التغيير في السياسات التي لن تحققه إلا حكومة لا تنتمي بأي شكل لنظام مبارك، وعليه فإنه من الصعب علي أصحاب النوايا الحسنة حتي لو كان بحجم وقيمة الدكتور جودة عبدالخالق من الصعب أن يفعلوا شيئا فقصر المدة كفيل بإجهاض هذه النوايا. ❊ لكن علي الجانب الآخر يري البعض صعوبة تشكيل حكومة من التكنوقراط الآن؟! وما وجه الصعوبة في ذلك، خمسون عاما ومصر يحكمها التكنوقراط، فمتي كان يحكمنا السياسيون المحترفون، ومصر مازالت زاخرة بالشخصيات النزيهة وحسنة السمعة التي لم تنتمي لحزب ولم تتكسب من سلطة، ومن السهل جدا الاستعانة بهؤلاء. خاصة أن أمثالهم يرفضون الاشتراك في وزارة قصيرة العمر ويترصدها الفشل في تحقيق أهدافها. ❊ في رأيك ماهو المطلوب لضمان تحقيق باقي أهداف الثورة واستكمال مسيرتها ومواجهة أي محاولة لإجهاضها؟! من المهم أن يدرك الجميع خطورة الثورة المضادة التي لن يكف المحرضون عليها من محاولات الالتفاف والاعتداء واستهداف الثورة لإجهاضها وتصفيتها، ومن ثم تكون مسئولية الجميع هو توحيد الهمم والعزيمة والطاقات والعقول لإنجاز المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ولتحقيق أكبر قدر من أهداف الثورة وفي مقدمتها إلغاء حالة الطوارئ والانتهاء من إعداد دستور جديد، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب، وتعديل قوانين مباشرة العمل السياسي، وحل المجالس المحلية وهذه النقطة علي درجة كبيرة من الأهمية فالكل يعلم أن هذه المجالس تشكل بؤرة الفساد يجب التصدي لها بسرعة وحزم. أيضا من المهم محاسبة المجرمين المسئولين عن قتل الشهداء فضلا عن علي ضرورة العمل علي تصفية جهاز مباحث أمن الدولة. وأري أن الضمان الوحيد لعدم استمراره في ممارسة دوره القمعي هو أن يتولي رئاسته شخصية مدنية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة. ❊وماذا عن الشباب؟! لابد من احتضانهم وتوفير فرص مشاركتهم في الحياة السياسية وأرفض تماما محاولات البعض لركوب الموجه ومحاولة اغتصاب كفاح هؤلاء، صحيح أن الثورة ليست ثورة شباب فقط بل هي ثورة شعب، إلا أن وقودها كان هؤلاء الشباب الذين شكلوا قوة جبارة ومن ثم يجب احتضانهم ولا أقول احتوائهم فمن الخطأ العمل علي مصادرة حقهم في المشاركة في اتخاذ القرار ويجب إعطاءهم الفرصة في ذلك فهم جديرون بالثقة وأهل لها بعدما صنعوه من معجزة ومن المؤكد أن استثمار طاقة الشباب من شأنها أن تضع مصر في مصاف الدول المتقدمة وتعيد لها مكانتها التي تستحقها وهو أمر لم يصبح الآن بالمستحيل.