سألني الصديق الروائي السوري الدكتور أحمد زياد محبك: هل العمل في الصحافة يساعد أو يعوق كتابة القصة القصيرة؟ قلت: لا أعرف شخصا واحدا أضر به التمرين علي الكتابة من أي نوع. ان الصحافة فضلا عن أنها تفيد في التمرين الدائب علي الكتابة فإنها تساعد أيضا علي تكوين عادة الكتابة كل يوم. ان انتظار الوحي عذر قلما تجده لدي المؤلفين الذين تمرسوا بالصحافة وكان أهم ما كتبه ارنست همنجواي انعكاسا لفترات عمله الصحفي وحتي الآن فإن جارثيا ماركيث يحرص علي العمل في الصحافة ذلك لأن الصحافة - في تقديره - تحميه وتحرسه وتجعله من أعماله الروائية مثل قصة غريق. حكايات موت معلن. نبأ اختطاف بل ان رائعته خريف البطريرك استلهمها من تغطيته لوقائع محاكمة شعبية لجنرال أمريكي لاتيني اتهم في جرائم حرب. لقد مارست في العمل الصحفي جميع أنواع الكتابة. كتبت الخبر والتحقيق والمقال والدراسة. أهب كل نوع ما يحتاجه من مفردات لغوية وصياغة وتقنية باعتبار القاريء الذي اتجه إليه فيما اكتب وبالتأكيد فإن كاتب التحقيق الصحفي يختلف عن كاتب المقال الأدبي واللغة القصصية تختلف عن لغة الصحافة. يسرت لي الصحافة سبل اقتناء الكتب التي تعجز مواردي عن شرائها جميعا. فأنا أكتب في صفحة أدبية. في هذه الصفحة باب للكتب فأنا أكتب عن كل كتاب يهديه صاحبه - أو ناشره - للجريدة ثم احتفظ به لنفسي واتاحت لي الصحافة مجالات ربما لم أكن استطيع ان اقترب منها في الوظيفة العادية. سافرت إلي مدن وقري داخل مصر وخارجها والتقيت بشخصيات تمتد من قاعدة الهرم الاجتماعي إلي قمته وبثقافات متباينة. ولعله من المهم ان اشير إلي أن الصحافة قد ترضي بالكاتب قاصا أو روائيا أو شاعرا في بعض الأحيان لكنها تريده صحفيا في كل الأحيان. انها تريده كاتب مقال أو تحقيق أو خبر.. الخ.. مما يتفق وطبيعة العمل الصحفي الذي يعد الأدب - في تقدير القيادات الصحفية - جزءا هامشيا فيه. وكما تعلم فإن الإبداع في بلادنا لا يؤكل عيشا. ربما اتاحت رواية وحيدة في الغرب لكاتبها ان يقضي بقية حياته مستورا. أن يسافر ويعايش ويتأمل ويقرأ ويخلو إلي قلمه وأوراقه دون خشية من الغد. وما يضمره من احتمالات. لكن المقابل المحدد والمحدود الذي يتقاضاه المبدع في بلادنا ثمنا لعمله الأدبي يجعل التفرغ فنيا أمنية مستحيلة! أذكر قول المازني لأحد الأدباء الذين عابوا عليه وفرة كتاباته "ستقول ان المازني بالأمس خيرا منه اليوم وانه ترك زمرة الأدباء وانضم إلي زمرة الصحفيين وانه يكتب في كل مكان ويكتب في كل شيء حتي أصبح تاجر مقالات تهمه ملاحقة السوق أكثر مما تهمه جودة البضاعة.. أليس كذلك؟ ولكن لا تنس ان الأديب في بلدكم مجبر علي أن يسلك هذا السبيل ليكسب عيشه وعيش أولاده وليستطيع ان يحيا حياة كريمة تشعره بأنه إنسان.