عندما ضاق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بصحافة مصطفي وعلي أمين قرر في عام 1960 تأميم الصحف وتحويلها لملكية الاتحاد الاشتراكي وعين رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير لهذه الصحف يؤمنون بمنهجه وطريقته في الحكم ويهيئون الرأي العام وإقناعه بهذه السياسة وهذا المنهج. فعين الأستاذ محمد حسنين هيكل في الأهرام والأستاذ محمود أمين العالم في الأخبار.. أما الجمهورية فكانت حكومية منذ نشأتها عام 1953 حيث صدرت رخصتها باسمه وتعاقب عليها رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير من المقربين للرئيس مثل الرئيس الراحل محمد أنور السادات والمرحوم صلاح سالم والأستاذ حسين فهمي وغيرهم الكثير من الأسماء المشهورة في ذلك الحين. وعندما تولي الرئيس الراحل أنور السادات رئاسة الجمهورية خلفاً لعبدالناصر وضع علي رأس الصحف القومية الأهرام والأخبار والجمهورية رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير يكونون صوتاً لسياساته مثل الراحلين الأساتذة موسي صبري وعلي حمدي الجمال وعبدالمنعم الصاوي وإحسان عبدالقدوس وغيرهم. وبعد السادات جاء الرئيس الأسبق حسني مبارك فكان فرسان الصحافة "القومية" في عهده الأساتذة محسن محمد وسمير رجب وإبراهيم سعدة وإبراهيم نافع وغيرهم. وانتهي عصر مبارك لتتولي جماعة الإخوان الحكم ولأنها صحف "حكومية" وليست "قومية" كما يقال كان لابد أن يتولي قيادتها من ينتمون إلي جماعة الإخوان أو علي الأقل من ذوي التوجه الإسلامي إن لم يكونوا من الجماعة.. وللإنصاف حاول البعض منهم أن يوازن بين الموالاة للجماعة والحيادية ولكن لأنها صحف "حكومية" كما قلت كان جانب الموالاة يتغلب أحياناً علي الجانب الحيادي. من هذا التسلسل لتاريخ الصحافة القومية منذ تأميمها عام 1960 وحتي سقوط حكم الإخوان لابد أن نعترف بأنها لم تكن صحافة قومية ولكن كانت صحافة حكومية تعمل لصالح النظام الحاكم. ولم يكن في مقدور قياداتها الخروج عن النص.. وأي واحد يدعي أنه كان سيكون أكثر شجاعة لو كان هو رئيس التحرير وأنه سيخرج ضد من عينوه فسأقول له: آسف.. هذا كلام يقال لأنك تتكلم من الناحية النظرية.. وهذه الشجاعة التي تتكلم بها كانت ستختفي تماماً لو كنت أنت رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة. وأحب أن أؤكد أن هذه الصحف سوف تكون لسان الحاكم.. أي حاكم قادم ما لم يوضع لها نظام يضمن لها الاستقلالية ولا تكون رقبة رئيس التحرير في قبضة السلطان. وما ينطبق علي الصحف القومية ينطبق أيضاً علي أجهزة الإعلام الحكومية إذاعة وتليفزيون.. فهذه الأجهزة كانت وستظل في خدمة الحاكم ونظامه ما لم يتغير وضعها بطريقة تضمن لها الاستقلالية بعيداً عن مقصلة الحكومة. لا نريد أن نحمل رؤساء تحرير الصحف القومية في عهد الإخوان كل أخطاء وخطايا هذه الجماعة.. فلقد سمحوا بنقد النظام في مقالات كثيرة وكان نقداً حاداً.. وأود أن نفرق بين النقد الموضوعي مهما كانت حدته وبين من يحاول أن يظهر شجاعته باستخدام ألفاظ وعبارات غير لائقة في مقالاته لكي يتحدث الناس عن جرأته وشجاعته.. وهو لم يكن جريئاً ولا شجاعاً إلا لأنه بعيد عن المسئولية. وأضرب مثالاً برؤساء تحرير الصحف الحزبية.. وأتساءل هل يستطيع رئيس تحرير صحيفة حزبية أن يخرج عن سياسة الحزب وينشر موضوعات ومقالات ضده؟! الإجابة بالطبع لا.. وهكذا الصحف المسماة قومية لأنها صحف النظام الحاكم وليست صحف الشعب. تأحذنا الحماسة والغضب في نقد رؤساء تحرير الصحف القومية لأن المثل يقول: "اللي علي البر شاطر" و"اللي ايده في المية مش زي اللي ايده في النار"!!