قد يجد المبدع موهبته في كتابة الرواية. فيقصر إبداعه عليها. وإن كان من غير المقبول أن يعلن وفاة القصة القصيرة لا لشيء إلا لأن قدراته لا تتيح له كتابتها. وقد يقصر المبدع كتاباته علي القصة القصيرة. دون أن يشغل نفسه بموازنات ومقارنات بين الأنواع الأدبية. بحيث ينتصر للفن الذي تثمره موهبته. الأمثلة تتعدد في القصيدة والمسرحية وغيرها من مجالات الإبداع. وحين نشر نجيب محفوظ حوارياته الست تحفظ في نسبتها إلي المسرح. وصارحني ببساطته الذكية أنه يكتب الرواية والقصة القصيرة. أما الحواريات فهي صدي الزلزال الذي أحدثته في نفسه نكسة .1967 المبدع الذي تعددت معطياته يطالعها في أدباء عالميين. كتبوا الرواية والقصة القصيرة والقصيدة والمسرحية. وربما اتسعت موهبتهم مثل جان كوكتو فمارسوا الاخراج. تفاعل الأنواع ألغي الحدود والفواصل بين الأجناس الأدبية. وإن احتفظ كل جنس أدبي بخصائصه. وقد أفاد يوسف إدريس من موهبته المتفردة في القصة القصيرة. ومن أنواع أدبية وفنية في كتاباته الروائية والمسرحية. ربما وجد المبدع أن سعيه للإجادة يفرض عليه أن يكون مقلاً في إبداعه. ثمة أدباء قصروا إبداعهم علي رواية واحدة أو روايتين. فتحققت لهم مكانة متفوقة في تاريخ الرواية العالمية. الأخوات برونتي علي سبيل المثال. وثمة من اكتفي بمجموعة قصصية واحدة محمد ابراهيم مبروك مثلت معلماً مهماً في إبداع الستينيات. والأمثلة كثيرة.. الإبداع قضية المبدع. يضيف إلي الوجدان الإنساني. ويثريه.. لكن أساليب المعايرة والمنافرة والتشهير تسيء إلي المعاني الجميلة. وتسيء إلي صاحب تلك الأساليب. ربما تحكمه عقدة اكتناز مساحة موهبته. فهو يدافع عن معاناته باتهام آخرين. لهم مشروعهم الإبداعي. من التجني الصارخ أن نحكم علي مبدع ما بأن كتاباته رديئة لمجرد أنه وافر الانتاج. الرأي الموضوعي هو الذي يحكم علي قيمة إبداع الكاتب. بصرف النظر عن غزارته. أو العكس. يروي أن أوسكار وايلد زار معرضاً تشكيلياً. ولخص رأيه في اللوحات المعروضة بأنها رديئة. قال الفنان لوايلد: ملاحظتك ظالمة. إن لم تقل لماذا الرداءة. لعل هذا هو المعني الذي نستطيع أن نفهمه من الاتهامات المرسلة التي يتبرع بها محسوبون علي الإبداع. يدارون معاناتهم في فراغ الوقت.. والموهبة!