من منا لم ينفطر قلبه أمام صورة شاب مصري محني الرأس. عاجز عن النظر إلي من يجلس أمامه من فرط شعوره بالخزي والمهانة؟! وهو لم يرتكب جريمة. ولم يفعل ما يستحق مثل ذلك العقاب!! ثم ما هي الجريمة التي يمكن أن يكون عقابها التعذيب الوحشي. والاغتصاب إلي درجة فقدان الوعي وحتي يكاد أن يلفظ أنفاسه؟! لا يمكن أن يقوم إنسان عادي بتنفيذ هذا العقاب بهذه الصورة وبهذا الاصرار حتي يصل بالفريسة إلي حدود الموت ثم يلقيه لمصيره. سواء أكان المصير هو القبر أو مستشفي يتردد في اسعافه خشية عقاب أو مساءلة أو مصيره ثلاجة المشرحة حيث يرقد جثة دون اسم أو عنوان. شغلتني شخصية الجلاد الذي يتولي التعذيب وأنا اتابع قصص الشباب الذين تجرعوا ويلاته في أقسام الشرطة شغلني الأسلوب الممنهج الذي يتبعه المُعذِب علي المُعذَب والاثنان من نفس هذا الوطن وكل منها لديه أسرة وأم وأب وربما أبناء وزوجة.. هل من السهل أن يصبح الإنسان هكذا وحشاً ضارياً ثم يمارس في ذات اليوم حياته كشخص آدمي لديه مسئوليات كإنسان طبيعي؟؟ هناك مايسمي علم السيطرة علي العقل يعرفه علماء النفس. بقول آخر مايعرف بغسيل المخ. وهي عملية ممنهجة تحقق الإقناع بالإجبار. والعملية يقوم بها أفراد أو شخص علي نحو منظم ومدروس علي آخرين ويستخدم فيها طرقاً غير أخلاقية تحقق السيطرة البارعة علي عقل الإنسان. حتي يصبح طبعاً ملتزماً لرغبات الشخص أو السلطة أو الجهة التي تتولي تدريبه. وقد استخدم هذا المصطلح "غسيل المخ" لوصف الوسائل التكتيكية والسيكولوجية التي تسعي إلي التمكين من عقل واحساس وتفكير وسلوك الأفراد أو الجماعات المراد غسل أدمغتها والسيطرة كلية عليها.. وقد نشأت نظريات "غسيل المخ" لتفسير وشرح وسائل النظم الشمولية التي تنجح علي اجبار الناس علي السمع والطاعة وذلك عبر أساليب منهجية تجبره علي التسليم بالمبادئ والايدولوجيات التي تقوم عليها هذه النظم.. ومن بين أساليب التعذيب كسر إرادة ومحو كرامة والتنكيل بجسد المراد تعذيبه. ومن الطبيعي أن يكون من ضحايا هذه النظريات سجناء الحرب والمعتقلون السياسيون والمعادون للنظام. وقد اتسعت نظريات غسيل المخ وامتدت علي أيدي علماء النفس الذين سعوا إلي تفسير الظاهرة والوصول إلي أسباب التحول والإيمان تحركات سياسية أو دينية تعتمد في الأساس علي السيطرة علي العقل وعمليات غسيل المخ. أول من استخدم هذا المصطلح بالانجليزية Brain Washing ادوارد هانتر وهو صحفي أمريكي وعميل في المخابرات الأمريكية وذلك من خلال مقالة تم نشرها في اكتوبر عام 1950 اثناء الحرب الكورية وكتب بعدها سلسلة من المقالات والكتب حول موضوع "غسيل العقل الصيني" يصف المناهج المستخدمة في الصين للسيطرة علي العقل ابان حكم ماوتسي تونج. بهدف تحويل الأفراد إلي النظام الشيوعي والإيمان عقلياً وعاطفياً بالأيدولوجية التي يقوم عليها هذا النظام. ولو تأملنا سيكولوجية الأفراد الذين يتولون عملية التعذيب بمناهجه التي تطورت كثيراً من أجل كسر ارادة الضحية. واذلالها ومحو احساسها بالذات سوف نجد أن هؤلاء الأفراد قد أخضعوا طويلاً لعمليات "غسيل مخ" مدروسة. واختيارهم منذ البداية كان خاضعاً بدوره لشروط تجعلهم صالحين للتحول إلي اداة طبعه في عمليات التعذيب. وفي الحروب علي سبيل المثال يتحول كثير من السجناء إلي موالين للطرف المعادي بعد عمليات غسيل مخ مدروسة وممنهجة. ومن يستعيد ما جري في سجن "أبو غريب" في العراق ويستحضر صورة المجندة الأمريكية التي كانت جزءاً من آلة التعذيب الذي مورس بوحشية علي السجناء هناك يدرك أهمية هذا "العلم" بالنسبة للقوي الساعية إلي السيطرة فالسيطرة تبدأ بالسيطرة علي "الدماغ". علي المخ وغسيله وزرع مايراد زرعه من أفكار ومشاعر بغض النظر عن الأخلاق والدين والقيم الإنسانية وبطبيعة الحال بغض النظر عن القانون..