د. منال متولي مدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وأستاذ زائر بجامعتي جورجيا الأمريكية وهامبرجر الألمانية أعدت مجموعة من الدراسات والأبحاث حول الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها مصر الآن وسبل الخروج من الأزمة.. التقينا بها للتعرف علي النتائج التي توصلت اليها في دراساتها وأبحاثها وسبل الخروج من الأزمة الاقتصادية في مصر وقد أكدت في حوارها انه رغم المتاعب الاقتصادية الا ان التصريحات التشاؤمية التي تصدر بين الحين والآخر تؤدي للكساد والركود وانعدام الثقة مؤكدة ثقتها في قدرة الاقتصاد المصري علي تجاوز الأزمة.. واقترحت الاستفادة من التجربة الماليزية حيث كانت ماليزيا علي وشك الافلاس.. وبدأت خطوات اصلاحية مما أدي إلي تحقيقها لانجازات اقتصادية رائعة وأصبحت من النمور الآسيوية. * في البداية سألناها عن رأيها في الوضع الاقتصادي ** الوضع الاقتصادي بصفة عامة يعاني من انخفاض معدل الاستثمار الداخلي أو الخارجي وارتفاع معدل البطالة وزيادة نسبة الفقراء وارتفاع العجز في الموازنة العامة للدولة لتصل نسبته إلي الناتج المحلي الاجمالي 11% "2011-2012" وانخفاض النقدي الاحتياطي إلي 15 مليار دولار وبالتالي فهناك تحديات تؤكد ان الاقتصاد المصري في أزمة حقيقية تحتاج لعلاج فوري خاصة مع انخفاض الاحتياطي النقدي للدولة وكلما تأخرنا في العلاج زادت نسبة المخاطر. * أهم التحديات التي نواجهها الآن؟ ** ضرورة الحفاظ علي الاحتياطي النقدي والذي انخفض من 3.31 مليار دولار إلي 15 مليار دولار في 2012 وتوفير البدائل خاصة ان اصابة العديد من الدول التي نستورد منها بالكوارث الطبيعية من سيول وأمطار وغيرها مما ترتب عليه عدم قدرتها للوفاء بالكميات التي نستوردها منها لتوفير السلع الأساسية سواء من القمح والذرة والسكر وهي سلع استراتيجية هذا بالاضافة إلي ارتفاع الاسعار العالمية للسلع الغذائية وبالتالي فان الاحتياطي النقدي أصبح لا يكفي لاستيراد الواردات الاساسية من السلع لمدة ثلاثة أشهر ويعتبر الضرائب أحد عوامل مواجهة عجز الموازنة والتي يتم تحصيل أغلبها من العاملين بالقطاع الحكومي وهنا تظهر مشكلة عدم تعدد المصادر الضريبية حيث ان الأدبيات الحديثة في الاقتصاد تحث علي التنوع الضريبي لأنه أحد مؤشرات جذب القروض والمعونات وهو دليل علي ان هناك مصادر دخل متجددة تستطيع سد هذه القروض من التمويل الداخلي وهذا يحتاج إلي تحسين هيكل الانفاق حيث ان نسبة كبيرة من الموازنة العامة تنفق علي الدعم والاجور ورغم ذلك عند قياس معدل النمو بعد استبعاد ارتفاع الاسعار نجدها تقل بسبب عدم وجود موارد تكفي الزيادة التي حدثت في ارتفاع الضريبة وارتفاع الاسعار في نفس الوقت وان الرؤية المتكاملة للاصلاح الضريبي تتطلب استخدام الضرائب كمحفز للنمو ليس كوسيلة للجباية وتصل إلي حد الاعفاء الشخصي وتخفيض العبء الضريبي علي الشركات التي لها صلات مع شركات صغيرة ومتناهية الصغر. الخروج من الأزمة * ما هي المصادر التي تساعد في الخروج من الأزمة؟ ** السياحة وهي من أهم مصادر النقد الأجنبي والدخل القومي وهذا يحتاج إلي إعادة النظر في الخريطة السياحية ووضع خطة مستقبلية للترويج في الفترة القادمة خاصة في مجال السياحة العلاجية حتي تستقر الأوضاع تماماً واستعادة تنشيط السياحة في كافة المجالات خاصة ان الظروف السائدة تؤدي لانخفاض السياحة لان السائح الأجنبي يشعر بالقلق وعدم الاستقرار وهذا يتطلب عودة الأمن واستقرار الأوضاع السياسية..هناك مصادر وبند هام يحتاج إلي إعادة النظر فيه وهو تحويلات العاملين بالخارج والأرقام تؤكد أنها ارتفعت من 9 مليارات دولار إلي 9.17 مليار دولار خاصة عند ثورات الربيع العربي وتحويل المصريين لمدخراتهم إلي الوطن أو عودة الكثير منهم والتساؤل كيف يتم استثمار هذه الأموال فهناك جزء منها وجه إلي الثورة العمرانية التي شهدتها البلاد بعد ثورة يناير ولكن هذاالتمويل توقف بعد ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت ويمكن استغلال هذه الأموال لتنشيط الاستثمارات الداخلية وعلي الجانب الآخر يجب النظر إلي إنخفاض الصادرات وهي أحد مصادر الدخل . * ما هي الحلول العملية السريعة لانقاذ الاقتصاد من الانهيار؟ ** هناك أولويات من خلال عدة محاور أهمها النظر إلي المناخ العام وتغليب الصالح العام سواء مؤيدة أو معارضة قطاع أعمال أو قطاع عمال لاحداث نوع من الاستمرارية في قطاعات الدولة وهذا يحتاج من الحكومة ان تكون هناك رؤية واضحة للسياسة الاقتصادية من أجل اعادة المستثمر الأجنبي فكيف أدعو المستثمر في ظل افتقاد الرؤية الاقتصادية الشاملة من حيث كيفية التعامل مع الأراضي وسعرها وتقييم الأصول أو المزايا الجاذبة للاستثمار بالاضافة إلي تحديد الجدول الزمني المطروح للاجراءات التي تتبناها الدولة مشيرة إلي أنه في ظل غياب السياسة والرؤية الاقتصادية خاصة ان هناك إشاعة لارتفاع ضرائب دون التوضيح بالعائد عند ارتفاع نسبة الضريبة ولماذا تم رفعها.. وهذا يتطلب شرح برنامج متكامل تعرضه الحكومة لرؤيتها في كيفية تشجيع الاستثمار وجذب المستثمر الأجنبي بالاضافة إلي إرساء معايير الثقة والمصداقية للحفاظ علي الاستثمارات القائمة وجذب المستثمر من خلال الدعوة للمشاركة مع الدولة لغرس الثقة للمستثمر لضخ أمواله. زيادة الضرائب * ما تفسيرك للحديث عن زيادة الضرائب؟ ** هدفهم زيادة نسبة الموازنة العامة للدولة وادخال ايرادات للدولة ولكن التعامل مع الضرائب لابد من الحذر فقد يترتب علي رفع الضريبة ارتفاع في الاسعار أو اللجوء أصلاً للتهرب الضريبي أو تقليل الاستهلاك خاصة ان هناك نسبة 30% في القطاع الرسمي متهرب من الضريبة ويصعب معرفة حجمه بالضبط وبالتالي قبل أخذ القرار برفع الضريبة الا بعد دراسة المجتمع دراسة جيدة ومعرفة العائد والتكلفة من القرار ومن أجل دخول القطاع غير الرسمي لدفع الضرائب طوعيا لابد من ربطه بحزمة من المزايا منها الخدمة الصحية واشراكه في الدورات التدريبية لزيادة الانتاج وجودته ثم رفع رسوم بسيطة بعد الاستفادة فيعطي نوعا من الثقة والاقبال علي الاشتراك في القطاع الرسمي مشيرة إلي ان هذه السياسة تحتاج إعداد رؤية ضريبية مقسمة علي مراحل زمنية. * ما آخر المقترحات لتوصيل الدعم لمستحقيه؟ ** قبل التفكير في رفع الدعم لابد ان نضمن للفقراء تأميناً اجتماعياً وصحياً ومنحاً دراسية لرفع التنمية البشرية والمشكلة الأساسية في الدعم النقدي أنه لا توجد قاعدة بيانات لتحديد من هم الفقراء بالاضافة إلي ان المجتمع المحلي أوالمدني لا يستطيع أيضاً التحديد وبالتالي نفتقد الالية الصحيحة لمعرفة من هو الأحق بالدعم . قرض الصندوق * هل يساهم قرض صندوق النقد في حل الأزمة؟ ** القرض لن يحل المشكلة دون وضع رؤية اقتصادية متكاملة لتشغيل الموارد الأساسية للبلاد وخلق فرص عمل من مشروعات تنموية خاصة انه قد يشترط اشتراطات يصعب تنفيذها في الوقت الحالي أو تستطيع الدولة بالايفاء بها ومنها وضع برنامج إصلاحي تتوافق عليه كل طوائف المجتمع والأفضل تدعيم بسيط لقطاعات معينة في الدولة وخاصة الموارد المتجددة يمكمن الترركيز عليها * الرؤية الاقتصادية لتطبيق الحد الأدني والأقصي للأجور؟ ** تطبيق الحد الأقصي يتطلب معرفة الحد الأدني والأقصي بقطاعات المجتمع لان كل مجتمع له خصائصه بل الاتجاه لاعادة اصلاح هيكل الأجور لان القطاع الحكومي يختلف عن القطاع المصرفي أو الشركات الاستثمارية أو البترول وهذا الاصلاح يسمح ان يكون هناك إثابة وتميز حتي لا نساهم في هروب الكفاءات وتكون آلية للتقييم والمراقبة بعد عملية توصيف المهن في المجتمع وربطها بالأجر المستحق والانتاجية وهذا يختلف كثيراً عن نص المادة من الدستور بربط الأجر بالانتاج لان الانتاجية تخص العامل نفسه. * ما نموذج الدولة التي استطاعت عبور الأزمة وكيف؟ ** ماليزيا تعتبر نموذج تخطي أزمة اقتصادية كادت تفلس البلاد ولكن جاء مهاتير محمد والذي يعاني من الانخفاض الشديد في الاحتياطي ولكن برؤية اقتصادية استطاعت في فترة زمنية محدودة تضاعف الاحتياطي بمقدار ثلاثة أضعاف من خلال معرفة أهم منتج في البلاد ويقبل عليه العالم واتضح انه زيت النخيل والذي وجه المجتمع لزراعة النخيل كمشروع قومي لدخول العملة الصعبة للبلاد وزيادة الاحتياطي النقدي وقام بتصديره علي نطاق واسع وفعلا جاء بالعائد المتوقع واستطاع انقاذ البلاد من الافلاس وهذا النموذج قائم علي وجود قائد ورؤية اقتصادية ومصالحة وطنية مع كافة أطياف المجتمع وليست مصالحة سياسية فقط بما ان العلاقة وثيقة بين السياسة والاقتصاد بل مصالحة مع قطاع الأعمال والعمال واستقرار سياسي وأمني سينقذ البلاد من الوضع الاقتصادي المتدني.