لعل أصدق وصف للمجلس الأعلي للثقافة أنه وزارة ثقافة مصغرة فلجانه التي تشمل أنشطتها كل فروع الإنسانية. تفوق -من حيث الكم- هيئات وزارة الثقافة بتخصصاتها المختلفة من هنا كانت محاولتنا التعرف إلي ملامح المشهد الثقافي في مطلع السنة الجديدة من خلال الحوار مع أمين عام المجلس أستاذ الفلسفة الدكتور سعيد توفيق. الثورة -في تقدير د.سعيد توفيق- خلقت ثقافة. أي حالة ثقافية. ومشهداً ثقافياً خاصاً. متمثلا في ما طلبه الثوار من أجل مصر وفي الفن الجرافيتي الذي عبر عن تلك المطالب. وكذلك الحالة المسرحية الخاصة التي نشأت أيام المطالب الثورية بدت الثقافة في تنوعها ثقافة الشارع بينما كانت الثقافة دائما للنخبة لذلك فإن الكلام المحمل بالمزايدة والانفعال لا يجدي في هذه اللحظة. القول بأن الثقافة تقوم علي النخبة ليس صحيحا نحن نعيش حالة من اعتلاء الثورة أو استثمارها ثقافة النخبة تجمع الشعب وراءها لكن الشباب صنع ثقافة ثورية. صيغت من أشعار فؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم وألحان سيد درويش والشيخ إمام. ومن القصائد والعروض المسرحية الثورية. قلنا: هل يمكن القول إن المشهد الثقافي الرسمي قد تغير؟ قال: طبعا. نحن نحاول أن نكون مع نبض الشارع. ومع الثقافة الأهلية الشعبية هذا ما نشعر به. وما يجب أن يكون. بصرف النظر إن كان النظام يريد دعم كل مؤسسات الدولة بما فيها الثقافة الرسمية بعيدا عن ثقافة الشعب. طبيعة المثقف إنه يحرص علي استقلاليته. الثقافة تعني الحرية والمثقف يعني بأن يكون حرا وليس تابعا. قلنا: هل أفدت من الفلسفة في عملك بالمجلس الأعلي للثقافة؟ قال: طبعا. لأن الفلسفة -ببساطة شديدة- رؤية شاملة للحياة والوجود وهو ما يرفض الاستغراق في نقطة جزئية دون النظر إلي الإطار الكلي المشكلة في المجلس الأعلي للثقافة في أننا نعالج مشكلات جزئية قد لا تغير شيئا من أحوال الثقافة في مصر. وبالتالي فلابد أن ننظر إلي الغرض من إنشاء هذا المجلس وهو رسم السياسات الثقافية وزير الثقافة هو رئيس المجلس وأنا نائبه كأمين للمجلس والمفروض أنه يضم خلاصة عقول الفكر الثقافي في مصر المفروض أن تمثل كل التيارات لا إقصاء لأحد وعلينا أن نضع الآليات في مشروع القانون الجديد. قلنا: ماذا عن أهم أنشطة المجلس في العام الجديد قال: نحن نعرف مدي معاناة الكتاب والمبدعين. ولدينا فكرة بإنشاء صندوق. وقد بدأنا في البحث عن التمويل. وإذا كنا ندعو الجميع إلي تمويل الصندوق المقترح فإننا نأمل أن يكون الإسهام الأكبر لصندوق التنمية الثقافية. أتوقع أن نجتمع في الأسبوع القادم لمناقشة إجراءات إنشاء الصندوق بحيث تنتهي ظاهرة إهمال المبدع في ظل ظروف مالية متردية. قلنا: ماذا عن جوائز الدولة؟ قال: للأسف فإن ما يحدث في منح جوائز الدولة حتي الآن كلام مصاطب. فليست هناك قواعد محددة لمنح الجوائز. ولابد من تلافي هذا العيب. قلنا: اللافت أن إسهامات د.سعيد توفيق في حياتنا الثقافية لم تقتصر علي الفلسفة؟ قال: لقد كتبت بالفعل عن حسن طلب وفاروق شوشة. وعن أجيال مختلفة من المبدعين. ما كتبته قليل. لكني كتبته بحب وصدق ورأيي أن الناقد يجب أن تكون له رؤية وأن يكون صاحب فلسفة في النقد. أي نقد النقد الناقد الحقيقي يجب أن تكون لديه رؤية مستقبلية مسبقة لما ينبغي أن يكون عليه العمل الأدبي أو التشكيلي أو الموسيقي. الرؤية هي التي تحكم ولابد أن تكون هناك فلسفة. مارتن هيدجر أعظم فلاسفة العصر الحديث لم يكتب إلا عن اثنين أو ثلاثة فقط وهو صاحب تيار عظيم في النقد بل إنه واحد من أعظم المؤسسين للتيارات النقدية. ليس لدينا فلسفة قلنا: هل لدينا فلسفة يمكن أن تؤسس عليها مدارس نقدية؟ قال: في الحقيقة أنه ليس لدينا فلسفة. وإنما نحن مجرد مشتغلين بالفلسفة هناك مستويات متفاوتة في مدي فهم هذه المدارس الفلسفية الغربية ولعله يمكن القول إن هناك محاولات فردية عابرة. نجدها في كتابات زكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وعبدالرحمن بدوي وعبدالغفار مكاوي وعاطف العراقي. وثمة أسماء مهمة في أجيال تالية. لن أذكرها حتي لا أغفل أحدا. قلنا: في كتابك "الخاطرات" أشرت إلي أنه يتضمن التأملات الأولي في ظاهرات الحياة والوجود.. هل هناك خاطرات أخري؟ قال: أتمني. لكن حياتنا كلها مرجأة. نحن نعمل في أشياء قد تتحقق وقد لا تتحقق طبعا يهمني أن أكتب عما أحس به. أنا لا أكتب إلا عما خبرته في الحياة اكتب بإحساس. قلنا: تحدثت في الكتاب عن "ترانيم الليل".. هل مازال الوسط الثقافي كما كنت تراه كائنات كبيرة تلتهم الكائنات الصغيرة؟ قال: هذا صحيح. شاهدت ذلك في الحياة بشكل كبير. ثمة وحوش. وأمر واقع. وقانون الحياة الكبير يلتهم الصغير. وللأسف قد يكون الصغير أعظم وأكثر فائدة لكن -كما قلت- الظرف التاريخي يحتم ذلك. قلنا: هوايتك صيد السمك. وهي تحتاج إلي صبر هل تفيد من الصبر في التعامل مع المثقفين؟ قال: أصارحك أني تعرضت لشتائم من المثقفين بعد أن كنت صديقا للجميع. اعتبر ذلك ضريبة المنصب الرسمي وبعض الأصدقاء الذين أطلقوا ناحيتي قذائف شتائمهم التقيهم فيحتضن أحدنا الآخر. وينسون صفة الموظف. ويتذكرون صفة الصديق. الصداقة أجدي وأهم وأبقي. قلنا: منذ أيام فقدنا قيمة كبيرة هي الدكتور عبدالغفار مكاوي.. ماذا يعد المجلس لإحياء ذكراه؟ قال: نعد لاحتفالية كبيرة في ذكري الأربعين د.مكاوي يعرف أقدار البشر. وهو من الناس الذين ظلموا في الحياة الثقافية. ويجب أن نحتفي به هو وعبدالرحمن بدوي وأمين ريان. إنهم قامات كبيرة وبالمناسبة لقد ناقشني د.مكاوي في رسالتي الماجستير والدكتوراة.