بعد أن عاد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من إحدي الغزوات في ختام هذه المواقع التي خاضها المسلمون دفاعاً عن دعوة الحق وعن الظلم الذي وقع عليهم. قال: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر" مما يشير إلي أن العمل الاجتماعي والسعي للبناء والتنمية والتعمير يتطلب مجهودات مضنية وأعمال شاقة وصبر وطول بال. العقبات كبيرة والمعوقات بلا حصر كما أن المعوقين يتحدون أي عمليات إصلاح. وكل هذه الأسباب كانت توضيحات سيد الخلق صلي الله عليه وسلم لهذا الجهاد الذي يتعين أن تخوضه الأمة من أجل مستقبل أفضل وتحقيق طموحات أبناء المجتمع وأحلام الأجيال المتعاقبة. أعتقد أننا في هذه الأيام التي بدت ملامح الاستقرار تلوح في الأفق - بعد الاعتصامات والاحتجاجات والمظاهرات - يتعين أن نضع هذا الحديث الشريف نصب أعيننا ونتحول إلي خلايا عمل علي أرض الواقع ونبذل أقصي جهد من أجل أن تدور عجلة الإنتاج والعمل علي تشغيل المصانع التي توقفت اثر الأحداث التي أعقبت تداعيات ثورة 25 يناير خاصة أن الاقتصاد قد تعرض لأزمات متلاحقة بسبب توقف العمل في كثير من المرافق والهيئات العاملة في مجال الإنتاج بالإضافة لاضرابات الموظفين والعمال للمطالبة برفع الأجور. في نفس الوقت لقد أصاب الركود الأسواق والمناطق التجارية وتعرضت للارتباك مما أدي إلي ارتفاع السلع والبضائع نتيجة أسعار السولار والبنزين مما انعكس بالسلب علي مختلف الحركة التجارية. لأن أي زيادة في أسعار الوقود تؤدي إلي ارتفاع أسعار مختلف البضائع ويتحمل تبعات كل ذلك المواطن البسيط في المدن والقري والنجوع وصارت الفئات المختلفة تشكو الغلاء. يجب أن نستوعب حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وأن تتقدم الصفوف سعياً في تدبير كل الأمور حتي تبدأ دورة الأعمال في التحرك وأن تجري في كل الأحيزة دورة جديدة لتعويض ما جري خلال العامين منذ قيام الثورة. وليت الجميع يدرك أنه لا سبيل سوي هذا الطريق ليتحقق الاستقرار وتتوفر فرص العمل للشباب من الخريجين وغيرهم وتتحرك الموارد الاقتصادية ويستعيد الجنيه قوته التي بدأت تتراجع مما أتاح الفرصة للدولار أن يرتفع دور في الأسواق مما يؤثر بصورة أكبر علي الأسعار الخاصة بالسلع التي نستورد معظمها من الخارج. من هنا أقول لدعاة الانقسام والتطرف قد حان الوقت لوقف كل هذه الأقوال ولا شأن لاستمرار الاختلافات لأن الاقتصاد أصبح لا يحتمل أي تأخير أو مماطل فإن الصعوبات سوف تزداد تعقيدات وتتضاعف معاناة المواطنين البسطاء كما تطول قطاعات كبيرة من متوسط الدخول. الوطن في حاجة إلي عودة الأمن إلي كل ركن في مصرنا العزيزة. أحوالنا تتطلب أن تتواري الاختلافات وأن يحل مكانها وحدة الرأي والهدف. لأن الجميع خاسر في ظلال هذه الاختلافات والانقسامات. كفانا انقساماً لأن المرارة هي البديل الذي ينتظرنا. وليتنا نتدارك أحوالنا قبل أن تلاحقنا الانهيارات وحينئذ سوف تصبح الحلول بعيدة المنال. وبالتالي نصبح عالة علي غيرنا نستجديهم توريد البضائع خاصة القمح المصدر لإنتاج رغيف العيش الذي لا يستغني عنه أي بيت. الواقع يتطلب أن نستلهم حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "اليد العليا خير من اليد السفلي" وذلك حينما جاءه بعض الرجال يسألونه عطاء فبادر باعطائهم ما يريدون ثم قال قولاً ليس لهؤلاء الرجال فقط وإنما ينطبق علي كل إنسان يتكل علي غيره في تدبير احتياجاته. ثم أوضح الرسول لقد قدمت لكم إيها الرجال ما تريدون ولم أحدثكم قبل أن أقدم لكم طلباتكم. والآن بعد أن تحققت رغبتكم في الحصول علي العطاء أخبركم أن اليد التي تعطي خير آلاف المرات من اليد التي تأخذ. إذ لا مجال للتسول بأي حال من الأحوال وليكن اعتماد الفرد علي نفسه في كسب قوت يومه بالعرق والجهد بالطرق المشروعة وعلي المؤمن أن يكون عفيف النفس قوي الإرادة يبحث عن المال الحلال "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور". حقيقة لقد كانت دعوة الرسول لهؤلاء الرجال لكي يتحول كل أبناء المجتمع في حركة دائمة وسعي بلا توقف لكي يتحقق الرخاء ويرتفع النمو إلي درجات في تقدمه نتيجة الرؤي وانتهاء الانقسامات والاختلافات. فها هو رسول الله صلي الله عليه وسلم قد جاءه شاب يسأله عطاء وبكل رحابة الصدر أحضر للشاب بعض الأدوات التي تساعده في جمع الأخشاب وبيعها في السوق والاستفادة بثمنها في تدبير وسائل حياته. وعندما قدم الرسول له الأدوات قال له: لا أراك إلا بعد عدة أيام في مبادرة تتيح له الفرصة في جمع أكبر كمية واستغلال كل طاقاته في اكتساب المال الذي يعينه ويغنيه عن سؤال الآخرين. وقد اقتنع الشاب وانصرف من مجلس رسول الله صلي الله عليه وسلم والعزيمة وقوة الإرادة تتزايد في صدره وتوجه إلي منطقة غنية بالأخشاب ثم عاد إلي الرسول وأخبره بكل سرور بأنه استطاع العمل واكتساب ما يسد احتياجاته وتوفير وسائل كل حياته بسهولة ويسر. في نفس الاتجاه حينما صافح الرسول الكريم رجلاً ولمس في يده خشونة فبادر بتقبيلها قائلاً: "هذه يد يحبها الله ورسوله. تقديراً وإشادة بالرجل الذين يستطيع تحقيق احتياجاته وإسعاد الآخرين من ثمار جهده وعمله. ولكي يدرك كل إنسان أنه الطريق الوحيد لتأمين موارد المعيشة والاستغناء بصفة دائمة عن ذل السؤال. لقد حرصت علي التركيز علي ضرورة انتهاء حالة الانقسام ولتختفي إلي الأبد هذه المظاهر خاصة في الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن. إن الآمال تحدونا في أن تستجيب كل الأطراف لنداء الوطن وأن يتحقق لمصر الرجاء في تحرك عملية الإنتاج بسرعة. فالأزمات التي يعيشها الاقتصاد أصبحت لا تحتمل أي انتظار أو تأخير. إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.