إن القلب يعتصره الألم لهذا الانقسام بين أبناء مصر حول الاعلان الدستوري. فريق يؤيد وآخرون يعارضون. ويمتد الانقسام حول الاستفتاء علي الدستور الصادر من اللجنة التأسيسية. الشارع تحول إلي صراع ينذر بخطر ليس في صالح أي طرف خاصة في هذا الوقت الذي نحن جميعاً في أشد الحاجة لوحدة الصف ومواجهة التحديات التي تواجه الوطن وفي مقدمتها ان الاقتصاد يتعرض لنزيف حاد. ومن العبث ضياع الوقت في خلافات سوف نجني ثمارها شدائد تلو أخري دون أن تلوح في الافق بادرة تساهم في نزع فتيل الأزمة بين أبناء الأمة وتؤدي لرأب الصدع وانهاء الصراع والخروج من الأزمة. إن هذا السياق المحموم الذي تشهده الساحة لا يرضي أحدا. في أوقات الأزمات تظهر معادن الرجال ويتقدمون بمبادرات تسعي للتقريب بين وجهات النظر المتصارعة وبذل أقصي الجهد من أجل التوصل إلي حلول تؤدي إلي القضاء علي هذا الانقسام. الحكماء جهودهم لا تتوقف لوضع حد لهذا الاختلاف بينما الوقت يمضي ونزيف الخسائر مستمر. نداء الواجب يتفاعل في صدور هؤلاء الحكماء ولا يهدأ لهم بال. يواجهون العقبات. بكل ثبات شغلهم الشاغل صالح الأمة والنهوض بالوطن ورغم صعوبة المواجهة إلا أنهم يواصلون الليل بالنهار حتي يوفقهم الله للتقريب بين الاطراف المتصارعة الحياد والرغبة في التصالح في مقدمة المبادرات التي يتقدمون بها لعودة وحدة الصف بين كل الاطراف دون ميل أو انحياز لأي منهما. وليت القوي بكل طوائفها والقائمين علي شئون الحكم الاستجابة لنداء العقل والحكمة. حقيقة. لقد عانت الأمة الإسلامية كثيرا من هذه الأزمات. والانقسامات لكن كان هناك وقفات لنزع الصراع وقد كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حكما في مواجهة أي نزاع وسد أسباب هذا الشقاق فيوم ان نشب نزاع بين الصحابة حول خلافاتهم القديمة نتيجة وشاية قام بها بعض ذوي النفوس الخبيثة. خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم عليهم غاضبا وقال: "هل هذا يحدث وأنا بينكم. لا ترجعوا بعدي كفارة يضرب معضكم رقاب بعض" وبهذه الكلمات الطيبة تم انهاء الخلاف وعادت وحدة الصف لهؤلاء الصحابة. وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم حريصا علي هذه الوحدة والمؤاخاة بين الصحابة والابتعاد عن كل ما يوغر الصدور ويؤدي إلي تفتيت الجهود في صراعات لن يستفيد منها أحد والآية الكريمة: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين" هي صمام الأمان والطريق للبناء والعمل الحاد لنهضة الأمة والمجتمع. وقد كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يتقدمون الصفوف لنزع اسباب أي خلافات قد تنشأ بين أي طرف من الاطراف ولعله لا يغيب عن خاطرنا ذلك الخلاف الذي نشأ بين أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد وفاته وحين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وظهرت نبرة بين المهاجرين والانصار تردد ان من هؤلاء رجلا واولئك رجل ولاحت بوادر خلافات قد تؤدي للانقسام تقدم ابوبكر الصديق باقتراح حيث قدم عمر بن الخطاب وأبوعبيدة بن الجراح لكي يختاروا منهما واحداً. رفض عمر بن الخطاب قائلاً: "لا أبقاني الله في مكان أكون رئيسا لابي بكر" ونهض قائلاً: "يا أبا بكر مد يدك لابايعك" وبهذه المبادرة واجه عمر بن الخطاب هذا الانقسام بشجاعة وجرأة في الحق ثم توالت البيعة لابي بكر الصديق الذي كان محل رضا وتقدير من كل الصحابة رضي الله عنهم. ليس هذا فحسب وانما كان هؤلاء الرجال يتواصلون مع أهل الرأي والفكر في سبيل وحدة الصف وجمع الكلمة من أجل صالح الأمة والنهوض بالمجتمع والنماذج في تاريخ الأمة الإسلامية كثيرة ومتنوعة. فيوم ان وقع خلاف في وجهات النظر بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حول الدخول في حرب ضد المرتدين ومانعي الزكاة. قال عمر: "كيف تقاتل قوما يشهدون ان لا إله إلا الله. ورد عليه أبوبكر: رافضا هذا الرأي مرددا وان لو منعوني عقال بعير كان يؤدونه علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه". ورغم هذا الخلاف إلا ان عمر لم يتذمر ولم يغضب وانما استمر إلي جانب أبي بكر وترك هذا الخلاف وبعد ان نجحت مهمة أبي بكر وظهرت رجاحة فكره. اعترف بصواب رأي أبي بكر. ليت الحكماء والعقلاء وأهل الفكر من أبناء مصر يستلهمون هذه المواقف وغيرها من الوقفات الرائدة لرأب الصدع وانهاء حالة الانقسام التي يعيشها الوطن هذه الأيام. المهمة ليست صعبة أمام عزائم الرجال. المسئولية الملقاة علي عاتق العلماء والحكماء والمفكرين من كل جانب تتطلب بذل أقصي الجهد من أجل مبادرة للتقريب بين الاراء المختلفة ومراعاة كل وجهات النظر بحيدة ودون انحياز لأي طرف. ويتعين أن يكون الصبر والعزيمة الصادقة والنوايا الخالصة هي اساس هذه المبادرة. وفي النهاية. ان يريدا اصلاحا فإن توفيق الله سيكون حليفهم. نتطلع إلي مبادرة تتواءم مع ماضي وحاضر هذه الأمة ذات التاريخ المجيد والله من وراء القصد وهو علي كل شيء شهيد.