يمثل الفنان حسن سليمان واحدا من أهم وأشهر رموز الفنون الجميلة في القرن العشرين.. وقد ولد عام 1928 ورحل عن عالمنا عام 2008. ويمثل الكتاب الفاخر الذي أصدره الاستاذ سليمان ابراهيم العسكري رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية. يمثل تكريما متميزا لاستاذية الفنان حسن سليمان . لقد تطور الفنان تطورا كبيرا خلال سنوات نشاطه الأولي عقب تخرجه في قسم "التصوير" أي الرسم بالألوان من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة.. لقد كان يتميز بالبحث الفني ففي كل معرض من معارضه كان يقدم محاولاته وابحاثه حول احدي المشاكل الفنية.. وقد كانت مشكلة التوازن اللوني هي شغله الشاغل في بداية حياته الفنية فكان يبحث في توزيع الألوان الباردة والساخنة علي سطح اللوحة. كما كان يبحث في التكوينات اللونية المتعارف عليها. محاولا اكتشاف شواذ القواعد المعروفة لاستخدام الألوان الساخنة "الحمراء والصفراء والبرتقالية" في مقدمة اللوحة بدلا من توزيعها باقتصاد ليميز بها الخلفية والأشكال الثانوية . ثم مر بمرحلة أخري كان بحثه يتركز حول الفنون الكلاسيكية القديمة معالجا رسم التماثيل الأغريقية والرومانية والمصرية القديمة بالتصوير الزيتي. ثم استغرق زمنا طويلا في دراسة المجسمات الهندسية كالمكعبات والمخروط والزجاجات وغيرها من عناصر الطبيعة الصامتة المنتظمة الحواف.. وفي احد معارضه كانت دراسته تنصب علي الطيور المصرية كالحمام والبط وغيره. كانت هي شغله الشاغل. ثم اتجه الي تصوير العمال وهم يكدحون. وكانت مشاهد كدحهم هي السمة البارزة في أعماله. وقد بدأت تتميز لوحات الفنان من منتصف الستينيات بطغيان الدرجات اللونية الرمادية بدرجاتها علي كل الألوان الأخري.. حتي يحسب المشاهد في اللحظة الأولي أنه لم يستخدم سوي اللونين الأبيض والأسود في تصوير الزيتي ولكن عند تأمل اللوحات ندرك أنه استخدم جميع الألوان محولا إياها الي احساس بالحجم والكتلة ينفي عنها صفة البحث في الألوان. ويضفي عليها صفة البحث في درجة القتامة والإضاءة. ومما يدل علي خصب هذا الإنتاج أننا نجد اعمالا علي درجة عالية من التباين اللوني. وبعض الأعمال تذكرنا بأسلوب المدرسة "الميتافزيقية". التي تعطي احساسا بالاتساع والضياع والضخامة وتتميز هذه الاعمال عند حسن سليمان بأنه لم يلجأ الي استخدام ظلال الأشياء الطويلة التي تضفي احساسا باللا نهائية ولكنه رسم عناصر لوحته بغير تفاصيل ومع تلخيص شديد متغاضيا عن علاقتها بالمذهب الواقعي .. كما اعطي احساسا بالتسطيح متغاضيا عن العمق. حتي تحسب الأشكال مصورة وخلفها الضوء "سيلويت أي عكس الضوء". وفي بعض لوحات هذه المرحلة نجد أثر الفن المصري القديم الذي عاش بين آثاره عامين في بداية حياته. فالخط محسوب بدقة وفي هذه اللوحات ثنائية التصوير عند المصريين القدماء "عندما يرسمون الملك او الكائن المقدس بحجم كبير وبقية الأشخاص بحجم صغير بالنسبة للشخصية الرئيسية" . وذلك لتأكيد أهمية تلك الشخصية. كما أن حركة الذراعين وتأكيد حركة الكتف بأسلوب تعبيري يعطي احساسا بالخط المصري القديم في رسم الأشخاص من الجانب بدلا من المواجهة. هذه الأعمال تثبت أن حسن سليمان قد استوعب خبرة المدارس الحديثة والقديمة واستخدمها في لوحاته الزيتية وحسن سليمان كان يحرص علي الجانب التمثيلي في عمله. ولا يتخلي عن المدارس التجريدية او اللا تمثيلية. رغم أنه يضع في اعماله كل القيم الجمالية التي وصل اليها التجريديون.. كما أن دراساته علي المكعبات والمجسمات الهندسية هي من أهم الدراسات التي وجهته الي مراعاة كتل الأشياء وأحجامها.. وملمسها كذلك. تتميز لوحات الفنان بالإحساس بالتصادم والتباين بين الأسود والأبيض مع درجات من الرمادي الفضي أو الأصفر "الأوكر" الفاتح حتي يوحي ذلك للشاهد بالتجسيم الحركي النابض. حتي لو كانت العناصر التي يرسمها جامدة كالأواني والثمار والزهور الموضوعه في إناء علي سطح المنضدة. كان حسن سليمان يلزم مرسمه ويرسم كل شيء بداخله. الزهور والموديل التي تنحني علي آلة الخياطة. ثم البنات اللاتي يحضرهن من الأحياء الشعبية.. وغيرهم .. وقد انتقدنا الفنان في الصحف وطالبناه بالخروج الي الهواء الطلق في الشوارع حيث المباني القديمة والانطلاق الي الريف والبحر.. وغير ذلك من المصوغات التي يطرقها الفنانون وهي التي توقف حسن سليمان عن معالجتها سنوات طويلة. بعد ذلك وقعت حادثة الخلاف مع الناقد "صدقي الجباخنجي" فقد نشر الفنان محمود السطوحي في الركن الخاص بالفنون التشكيلية الذي كان يحرره الناقد صدقي الجباخنجي بجريدة الجمهورية .. نشر صورة من مجلة "لايف" الأمريكية تصور ضحايا من حرب فيتنام. وقارنها بلوحة لحسن سليمان . واتهمه بنقل جزء من الصورة الفوتوغرافية بكل ظلالها وتفاصيلها. وقد كتب أحد اساتذة الفن عن هذه الواقعة يقول أن هذا النشر كان بمثابة فضيحة تتعلق بمصداقية وأصالة الفنان. وثار لغط شديد حول هذا الموضوع. ويضيف الفنان الذي ذكر هذه الواقعة. بأن هذا اللغط كان تعبيرا عن فهم المجتمع الفني المصري الذي يعتبر الصورة الفوتوغرافية تقع في مرتبة أدني من مرتبة التصوير الزيتي وبالتالي فإن الأخذ عنها يعكس فقر الفنان وقصور خالية. ويومها أعلنت اعتراضي علي هذا اللغط الذي اتخذ شكل الاتهام. وذكرت أن الفنانين يقومون "بنقل" الطبيعة بأسلوبه وطريقته. ثم نصفق للجميع.. لماذا لم يتصدي أحد بمثل هذا اللغط علي أعمال "ادجار ديجا" لراقصات البالية؟ وعاريات "محمود سعيد"؟ كلاهما صرح بأنه كان يستخدم الصور الفوتوغرافية للمشاهد التي يرسمها بطريقته الخاصة التي جعلتنا نعجب باللوحات المرسومة بأساليبهم دون السؤال عن طريقة الفنان في رسمها.. وأطلقت ندائي بأن تقدير العمل الفني لا علاقة له بطريقة انجازه وإنما بتأثيره علي المشاهدين من زاوية اعجابهم او دهشتهم أو اقبالهم عليه.