عشرة أطفال ماتوا و18 طفلاً اصيبوا من بين 40 طفلاً تم تعبئتهم مع آخرين بعد الفجر في صندوق سيارة نصف نقل من بلدتهم بني صريد بالشرقية لجني محصول البرتقال من إحدي الحدائق.. لكنهم لم يعودوا سالمين إلي أسرهم. إنه ملخص للحادث المروع الذي اصطدمت فيه السيارة نصف النقل المنكوبة مع نقل أخري تحمل أنابيب بوتاجاز علي طريق فاقوس - أبو شلبي. وما بين الملخص الذي يجعل العين تدمع والحقيقة المرة التي تحبس الأنفاس وتوقف ضربات القلب وترفع ضغط الدم قصص وحكايات مأساوية ننشر بعضها في هذا العدد تصرخ بأعلي صوت وتردد ما قاله الفاروق عمر بن الخطاب الخليفة الراشدي الثاني قبل أكثرمن ألف سنة: "لو كان الفقر رجلاً.. لقتلته". صدقت يا ابن الخطاب.. ونحن معك فيما قلت. *** السبب المذكور للحادث في محضر الشرطة هو الشبورة ورعونة السائقين.. لكن هناك أسباب أخري تنطق بين السطور وتكشف عورات كثيرة للمجتمع.. من فقر قاتل. وظلم بين من الآباء لأولادهم. وبراءة تنتهك وتغتصب عيني عينك بلا رحمة أو شفقة. وآدمية ذهبت مع الريح. وجشع قلبه مثل الحجر. وقانون في إجازة مفتوحة. الشبورة سبب ظاهري أو بمعني أصح شماعة؟.. نعم.. فكم تسببت في كوارث خاصة عندما تتعانق مع سائق أرعن وطريق ينذر بمصيبة من كثرة حفره ومطباته.. ليتكون ثالوث مرعب يقصف العمر.. لكن.. ولكن هنا صفعات مدوية. *** هل تحدث محضر الشرطة عن الفقرالمدقع الذي تحياه أسر الضحايا وملايين آخرون غيرهم في شتي بقاع المحروسة؟ .. وهل تحدث المحضر عن أن المتهم الأول في قتل هؤلاء الأطفال وإصابة آخرين هو آباؤهم الذين جلسوا في البيوت وسلموا أولادهم ليد المنون؟.. نعرف أنها أسر تحت مستوي خط الفقر وإلا ما وضعوا أولادهم التلاميذ بأيديهم علي مذبح "لقمة العيش".. لكن.. كان الأولي بكل المقاييس أن يخرج الأب أو حتي الأم للعمل بدلاً من أطفال صغار تجرم القوانين عملهم.. في ظلم ما بعده ظلم وقهر لايشبهه قهر وتعذيب لا يدانيه تعذيب!! .. وهل تحدث المحضر عن براءة هؤلاء الأطفال الصغار التي تنتهك وتغتصب بلا رحمة أو شفقة من قريب وغريب وتُذَل حتي تَزِل.. حيث يترك هؤلاء الأطفال مدارسهم ومستقبلهم ويخرجون بعد صلاة الفجر في هذا الصقيع لجني ثمرات البرتقال واليوسفي من حدائق الأغنياء ويعودون إن عادوا بعد الغروب وقد انهك العمل طوال اليوم أجسادهم النحيلة أصلاً.. أو لا يعودون ويكونون هم ثمرات الموسم.. موسم جني الأطفال.. فهل هذا يرضي الرب والعبد؟! .. وهل تحدث المحضر عن آدمية هؤلاء الأطفال التي خرجت ولم تعد وذهبت ادراج الرياح تحت وطأة الفقر وجشع مقاولي الأنفار وأصحاب الحدائق الذين استبدلوا مكان قلوبهم حجارة من الصوان أو الجرانيت وعيونهم غرابيل صماء وأحاسسيهم ألواح ثلج.. فلم يرقوا أو يروا أو يشعروا بتلك الأيادي الرقيقة التي زاد الفقر من رقتها وضعفها ولم يرحموا الأطفال مرتين.. مرة عندما سمحوا لهم بالعمل بالمخالفة للقانون ومرة عندما حشروهم كالسردين في صندوق سيارة مجنونة؟ .. وهل تحدث المحضر عن مشاعر هؤلاء الصغار الذين نجوا من المذبحة بعد أن رأوا الموت بأعينهم ولفظ الروح أمامهم وفي أحضانهم أشقاء وأصدقاء وجيران وأحبة؟ هل تحدث المحضر عن الطفلة المصابة نورهان عبدالحي التي ترقد الآن في مستشفي معهد ناصر وروت ل "المساء" كيف فقدت توأمها في الحادث؟ إن كل كلمة قالتها نورهان تجعل الصخر يبكي بحرقة.. كيف كانت تلخص لشقيقها التوءم دروسه أثناء غيابه عن المدرسة للعمل في جني الفاكهة والموالح لمساعدة الأسرة.. وكيف شعرت بقلب الأطفال بقرب نهايته قبل الحادث.. وكيف تابعت موت شقيقها وإحساسها الذي عبرت عنه بعبارة كالخنجر حين قالت: حسيت أن روحي اتخطفت مني؟!! أخيراً.. هل تحدث المحضر عن قانون العمل الذي أخذ إجازة مفتوحة بفعل فاعل والذي يجرم عمالة الأطفال؟ *** الحادث وقع.. ومات من مات وأصيب من أصيب.. ولا أعتقد أبداً أنه الأول ويقيني أنه لن يكون الأخير. فقط.. أتمني من كل قلبي أن يخرج رجل رشيد من وزارات حكومتنا الذكية ويقف بشجاعة وإنصاف ويقول: نحن الذين قتلناهم واصبناهم واغتصبنا طفولتهم البريئة.. بتقاعسنا وعدم احترامنا للقانون. اتمني!!