التقيناه بعد رحلة عمل في العديد من المدن الأوروبية. تتصل بعمله كمدير لدار الكتب والوثائق القومية. واهتماماته في النقد الأدبي التي تشمل الرواية والقصة القصيرة والشعر والمسرحية. * قلنا للدكتور عبدالناصر حسن: ألا يشغلك العمل الوظيفي عن الدراسة والكتابة؟ ** قال: لاشك أن العمل الثقافي مرتبط ببعضه بشكل أو بآخر. لكن هذا النشاط الفكري المختلف يؤثر -بالتأكيد- بعضه علي بعض. فأنا أستاذ الأدب والنقد في آداب عين شمس. وعضو اتحاد الكتاب. وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للنقد الأدبي. وخبير بمجمع اللغة العربية. وعضو لجنة الدراسات الأدبية بالمجلس الأعلي للثقافة. وأنشطة أخري ذات صلة بالعمل الثقافي. فإذا تركنا كل ذلك فإن لي اهتمامات في تأليف بعض الكتب. ظني أنها هي التي ستبقي في ذاكرة المتلقي. ومنها أبونواس قراءة في شعره.. الحب رموزه ودلالاته في الشعر العربي الحديث.. تقنيات القصيدة المعاصرة. وقبل ذلك كتاب عن النقد ونظرية التوصيل- قراءة النص الأدبي. وهناك كتاب في المطبعة بعنوان قراءات في شعر عبدالوهاب البياتي. ومنذ سنتين أضع كتاباً جديداً. بالإضافة إلي أنه لدي ورشة نقدية في الجامعة. كل هذا بدأ يقل بعض الشيء نتيجة عملي في دار الكتب. وفي يدي الآن كتاب صانع الأسطورة في الشعر العربي الحديث. وقد شغلت عنه بالعمل الدءوب والمستمر في دار الكتب. فأنا أقضي فيها وقتاً طويلاً. وأحاول أن أقدم أشياء مهمة. لا تقل في قيمتها عن العمل الذي أقدمه في كتابة نص نقدي. أو متابعات نقدية مختلفة. لكن الأمر الأهم هو: كيف يستطيع المرء أن ينظم وقته. فالتنظيم يحل الكثير من المشكلات. وإن فرض التحفظ نفسه في مناقشتي ثلاث رسائل في الشهر الواحد. * قلنا: هناك اتهام خاص بالبحث العلمي يقول: إن التحقيق يتم علي كتب سبق تحقيقها. بينما الأقبية مليئة بآلاف المخطوطات التي تطلب التحقيق والنشر؟ ** قال: هذا يرجع إلي بضعة أمور. منها : عدم وجود خطة نشر وتحقيق للمخطوطات العربية في كثير من المؤسسات المعنية. أنا أتكلم عن مؤسسات النشر بوجه عام. وعدم وجود خطة تحقق الأهداف والأبعاد. بمعني تحديد الأهداف: ماذا تم؟ وما الأولويات: هل نبدأ بالمخطوطات ذات الصبغة العلمية. أو الكتب ذات الصبغة الاجتماعية؟ وهل الإمكانات تساعد علي سرعة الانتاج في مراكز الماسح الضوئي؟ أما السبب الآخر فيتمثل في عدم وجود محققين جيدين. افتقدنا عدداً كبيراً من المحققين العظام مثل: مصطفي السقا. وعبدالسلام هارون. ومحمود شاكر. ومحمد محيي الدين. لم يبق لدينا سوي أيمن فؤاد سيد. وثمة أدباء من غير المحققين عرفوا علم التحقيق مثل الروائي محمد جبريل الذي قدم عملاً أدبياً فنياً اعتمد علي فنون التحقيق. وهو رواية من أوراق أبي الطيب المتنبي. مثل هذا لا يوجد الآن. هناك أيضاً عدم الاهتمام بالمحققين. فلا حوافز مالية حقيقية مقابل عملهم الشاق. وفي الكثير من الكليات ليست هناك مادة لتحقيق التراث والمخطوطات. * قلنا: أشرفت علي سلسلة من اللقاءات بين كبار المبدعين والقراء.. لماذا تأخر النقد عن ملاحقة الإبداع؟ ** قال: في تصوري أن النقد الأدبي هو إبدع مثال علي النص الأدبي. أحد الأسباب أننا اعتمدنا علي الأكاديميين من النقاد. وعلينا أن نفرّق بين الناقد والدارس. ومن هنا يمكن القول ان عدداً كبيراً من النقاد لم يعد بجدية النقاد السابقين أمثال: عزالدين إسماعيل والقط. ونحن لا نستطيع أن نلاحق الأعمال الإبداعية. كما أن هذه الكثرة لم يصاحبها جودة. بمعني أنك لا تستطيع أن تجد بين مائة ديوان شعري إلا 15 ديواناً يمكن النظر إليها. ومن ثم فإن حركة النقد يسودها نوع من الكساد. ثمة خلط بين الكتابة الصحفية أو العامة. وبين الكتابة الأكاديمية عندما يستخدم نقادنا نظريات جولد مان أو ميشيل فوكو أو جوناثان كلر أو منهج الشكليين إلخ. نحن لسنا في حاجة إلي هذا في النقد الحر. لكننا نحتاج إلي حس الناقد لاكتشاف مكنونات الإبداع. ويرجع ذلك إلي ضعف الناقد أمام ثقافة المنقود. وعلي الناقد أن يحب النص أكثر من حبه لذاته. والورش الأدبية مهمة جداً. فلها دور كبير في إثراء الحركة الأدبية والنقدية. فهي ترعي المواهب. وتتعهدهم بالعناية. وكانت هناك ورشة نقدية يشرف عليها د. صلاح فضل. وبعد عودتي من الخارج سنة 2005 أعدت الورشة. نحلل للمبدعين أعمالهم. ونركز علي مواطن الإجادة والقصور. ولعله يجدر بي أن أبدي إعجابي بالدور الذي تقوم به ساقية الصاوي من أنشطة تعين الشباب علي إظهار مواهبهم. * قلنا: لماذا يلجأ الشاعر العربي إلي الأسطورة الإغريقية بما يفوق انشغاله بالأسطورة الفرعونية والعربية؟ ** بدأ الشعر العربي مع مد التحرر من الاستعمار في بداية الخمسينيات. صار هناك نوع من رصد الجمود ومحاولة إيجاد صيغ شعرية وإبداعية جديدة. تتناسب مع الواقع الجديد الذي يريد -أولاً- أن يحقق ذاته. متخلصاً من الاستعمار. ويجد -في الوقت نفسه- صيغة فنية يعبر من خلالها بطريقة غير مباشرة. أي يبدأ بالرمز. ويلجأ إلي القناع. وإلي الأسطورة. منذ شعر التفعيلة. حاول الشاعر العربي توظيف كل أسطورة ممكنة. سواء كانت عربية أو مصرية أو عالمية. مثل جلجامش. وإيزيس وأوزوريس وغيرها. * قلنا: ما مدي حرية المبدع في استلهام التاريخ؟ ** قال: للمبدع الحق في استلهام أي نص تاريخي. أي نص سابق هو ملك له يستطيع أن يوظفه فنياً. ليس علي المبدع أن يلزم نفسه بالتاريخ القديم. فأسامة أنور عكاشة عندما قدم رؤيته في "ليالي الحلمية". انحرفت رؤيته بعض الشيء عن التاريخ. لكنه رآها من منظور ناصري يساري. هذه هي رؤية عكاشة للفترة ما بين الخمسينيات والثمانينيات. وقد وظف التاريخ طبقاً لرؤيته الخاصة. وقد يقدم غيره رؤية مضادة. لا حجر علي الفن. ومن يريد الحقيقة فليرجع إلي كتب التاريخ. * قلنا: بالمناسبة. دار الكتب متهمة بأن مطبوعاتها ليست متاحة للجميع؟ ** قال: هذا يرجع لشيئين. يغلب علي دار الكتب والوثائق القومية الطابع التراثي. فمعظم انتاجنا له صبغة تراثية. نحن نتناول كتب الإنسان القديم. ونتناول كتب الأدب العربي وتراث الأمة في البلاغة والفقه وألوانا مختلفة من النشاط الإنساني والعربي القديم. وهذا طابع إصدارات دار الكتب. حيث يتم تحقيق منشورات ودواوين الشعر العربي مثل شعر عنترة وامريء القيس وطرفة وأبي تمام والمتنبي وأبي العلاء وغيرهم. وبعض الكتب السياسية التي تمثل فكر طه حسين وأحمد أمين ورسالة الزيات. والسبب الآخر أن ارتفاع ثمن مطبوعات دار الكتب. مبعثه نوعية الورق الفاخر. والتجليد المتقن. فيبحث الناس عن المطبوعة الأقل ثمناً!