رفض علماء الأزهر بشدة الفتاوي التكفيرية التي يطلقها البعض علي الآخرين حتي أصبحت شبه ظاهرة.. مؤكدين أن من يتهم الآخر بالكفر آثم قلبه مهما كانت مذاهبه أو أحزابه التي ينتمي إليها. كان بعض الأحزاب قد أقام دعوي ضد أحد الدعاة بسبب فتواه بتحريم الانضمام للحزب الذي ظهر علي مواقع "الفيس بوك" و"اليوتيوب" يتهم بعض الأحزاب والطوائف الدينية بالكفر ووصفهم مرتدين عن الإسلام وطالب بأن يرفع أمرهم الي القضاء حتي يراجعهم عما يقولونه ويحكم عليهم بالردة عن الإسلام لأنه يريدون بذلك فصل الدين عن الدولة ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر كما يقول : يقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية إنه لا يجوز لأي إنسان أن يكفر أخاه ومن يصف الآخرين بالكفر فإنه آثم لأن هذه جريمة مذمومة. رفض الشيخ عاشور بشدة وصف الشيعة والعلمانيين والليبراليين أو أي طائفة أخري بالكفر فهي نغمة شاذة أطلقها البعض في الآونة الأخيرة وكنا لم نسمعها من قبل ولذلك فإنها غريبة علي مجتمعنا. أكد أن الفتاوي التي خرجت من البعض وتتهم الآخرين بالتكفير أقل ما يقال عنها إنها متطرفة وتدعو للفتن ومن قالها فئة لا تفهم في الدين ولا تعرف مبادئه حق المعرفة. قال الشيخ عاشور في تصريحات له إن الله لم يفوض أحداً ليفتش في قلوب الناس حتي يقال عنه إنه كافر وغير كافر.. فلا يوجد وكلاء عن الله في تصنيف الناس وإيمانهم .. معتبرا أن الفتاوي أصبحت وسيلة للدعاية الانتخابية أو لتحقيق أهداف خبيثة .. لأن أمر الناس عند الله وحده. أشار الشيخ عاشور إلي أن الأزهر يعلمنا السماحة والوسطية ويجب أن يلتزم الجميع بأخلاق الإسلام فقد توعد الله ورسوله كل من يتهم الآخر بالكفر. طالب وكيل الأزهر الأسبق كل مسلم ألا يفتي في الأمور الدينية إلا إذا كان متخصصا في الفتوي. فضائية أزهرية الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر يؤكد أنه لا يجوز إصدار فتوي لتكفير المسلم يغض النظر عن مذهبه لأن الأصل بقاء المسلم علي إسلامه حتي يقوم الدليل علي خلاف ذلك. طالب د. كريمة بقناة فضائية أزهرية تضم علماء الفتوي من الأزهر الشريف حتي لا تكون هناك فرصة لشخص بعيد كل البعد عن الفتوي وأحكامها ويتهم الآخر بالكفر والفسق والعصيان الي آخر هذه الصفات الذميمة. أكد أن تكفير المسلم لأخيه المسلم كبيرة ورسول الله صلي الله عليه وسلم قال "من قال لأخيه يا كافر رجعت إليه" ولذلك يجب التصدي لكل من يتفوه بهذه الكلمة وعلي الأزهر وعلمائه أن يتصدوا لذلك بشدة .. محذرا من خطورة التيارات الدينية المتشددة التي تستحل الدماء والأعراض والأموال. طالب د. كريمة بتغليظ العقوبات علي المتسبب والمباشر وكل من يتجرأ علي الفتوي وهو غير دارس لأحكام الشريعة لأنه يقدم مفاهيم مغلوطة عن الدين الإسلامي ويتسبب في تشوية صورته أمام أعدائه الذين يتربصون به. آداب الإسلام يقول د. سعد الدين هلالي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إنه يجب أن يتأدب الناس بأدب الإسلام الذي منعنا أن نتحدث عن البواطن فالله يعلم سر الأعين وما تخفي الصدور وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد بدد بها أحدهما".. وهذا يدل علي أن المتهم الآخر بالكفر وصفه الرسول بهذه الصفة إذا لم تكن صفة الكفر محققة في أخيه. حذر د. هلالي من أن يتهم أحدنا صاحبه بالكفر لأن الإيمان أمر قلبي لا يعرفه إلا الله.. فقد ورد عن الرسول "التقوي هاهنا" وأشار الي قلبه وقال تعالي " إن أكرمكم عند الله أتقاكم".ولا يعرف حقيقة التقوي سوي الله سبحانه وتعالي. لذلك لا يجوز لأحد أن يتهم أحدا بالكفر .. فهذه من الجرائم الدينية التي ترك الشارع ولي الأمر لوضع العقوبات التعزيرية لها إن أراد ذلك فهي مثلها مثل الكذب والغيبة والنميمة وعقوبة الوالدين. أكد د. هلالي أن هناك كثيرا من المحرمات التي حرمها الشارع ولم ينص علي عقوبة لها من أجل أن يرتدع الإنسان ذاتيا عن طريق الوعظ والنصح والتربية .. فإن فقد المجتمع الأمل في الناس الأشرار له الحق في أن يعاقبهم عقوبة تعزيرية مناسبة يري المجتمع فيها أنها تقويم للمجرم ودرء للفتنة. قضيتان أساسيتان يؤكد د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر انه لا يجوز لإنسان مهما أوتي من علم أن يفتي في قضيتين اثنتين وهما الحلال والحرام .. فالحلال بين والحرام بين.. ولا أن يدعي أنه يعلم خلجات النفوس فلا ينصب نفسه قاضيا أو مفتيا في الحكم علي الناس بالإيمان أو الكفر. ولقد تعلمنا من سيد الخلق محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم إنه من قال لا اله إلا الله محمد رسول الله أصبح منا وأصبحنا منه وأمره موكول إلي الله هو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وقال النبي صلي الله عليه وسلم قال "من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد عصم ماله وعرضه ودمه وأصبح عليه ما علينا وله مالنا.. فيجب علي كل إنسان أن يمسك لسانه قال تعالي " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" .. وليعلم الذي يرمي الناس بالكفر مع شهادتهم بأن الله واحد وأن سيدنا محمد هو رسول الله فلا يجوز له أن يرميه بالكفر.. ففي الحديث من رمي أخاه بالكفر إن لم يكن المرمي كافرا فالرامي كافر. قال د. طه : يجب أن يعلم الناس أن الدين الإسلامي يتعامل بظواهر الناس لا ببواطنهم فلنا الظاهر والله يتولي الباطن ولنا في حادثة سيدنا أسامة بن زيد عظة عندما كان في أحد "الصرايا" فجاءه أحد الكفار فضربه علي ذراعه بسيفه فجرح سيدنا أسامة ونزف دمه فخرج هذا الضارب حتي أوي إلي جبل لا مفر له منه فأدركه سيدنا أسامة ورفع عليه سيفه فلما أدرك الرجل أنه مقتول لا نهاية قال "لا إله إلا الله محمد رسول الله" فقتله سيدنا أسامة فلما أخبر النبي بذلك قال له يا أسامه أقتلته بعد أن قال الشهادة قال له يانبي الله قالها وقاية مني أي خوفا مني فقال له النبي يا أسامة أشققت عن صدره حتي تعلم قالها خالصا أم قالها خوفا منك ماذا تفعل لو أتيت أنت بدمه يوم القيامة وأتي هو ب "لا إله إلا الله" قال سيدنا أسامة تمنيت أن الأرض انشقت وابتلعتني. هذا مثال واضح ودليل علي أن الصدور لا يعلمها إلا الله فلا يجوز لكائن من كان أن يحكم علي من شهد شهادة بكفر وإخراجه عن مكة الإسلام وإنما يرجع ذلك إلي الجهل بالوسطية الإسلامية وإلي عدم التأدب بآداب رسول الله.. وهناك مرض نفسي يصيب المتدنيين بالمظهر فيصيبه العجب بصلاته وصيامه وبقراءته في كتاب الله حتي نظن أنه هو المتدين الوحيد وأنه هو المؤمن الأوحد فيتنابز مع الآخرين بالألقاب .. لكن إذا تأدب بآداب رسول الله فليعلم أنه مهما أتي من الأفعال التي ظاهرها طاعة لله وباطنها الله أعلم به فليعلم بأن الدين المعاملة ومن رمي أخيه بكفر لا ينجي من هذه الرمية.. فيجب علي الناس أن يرجعوا الي سيرة النبي ومعاملته للآخرين فلقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يستقبل المنافقين ويرفق بهم ويزورهم وصلي علي بعضهم في صلاة الجنازة ولم يورد عنه أن رمي أحدهم بكفر.. فالله أعلم بنفوس الناس. يقول د. طه: ليعلم الذي يفتي بدون علم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال "أجرأكم علي الفتوي أجرأكم علي الاقتحام في النار".. وفي النهاية لنا الظاهر والله يتولي السرائر.