شهدت الأيام الماضية صخبا شديدا ، وأحداثا سريعة ومتلاحقة ، غير مفهومة ، وغير متوقعة ، و مؤسفة!! و اتذكر إني قرأت ذات يوم "أن شبكة بي بي سي الإخبارية ، أعلنت يوم 18 إبريل/نيسان عام 1930 إنه لا يوجد أخبار لديها اليوم!" لكن ما أشبه اليوم بالبارحة ، وشتان الفرق بين أبريل 1930 ، و أبريل 2016 ، و خاصةً بأم الدنيا مصر ! ففي الأول منه ثار الجدل المعتاد ، حول مدى شرعية الإحتفال ( بيوم اليتيم) ،رغم أنه جدل لا طائل منه ، فالاحتفال قائم شاء من شاء ، و أبى من أبى! وفي الرابع منه توفى اللواء سامح سيف اليزل (الرجل الغامض) الخبير الأمني ، ومنسق ائتلاف دعم مصر ، وقد تباينت مشاعر المصريين في وداع الرجل ، ما بين شامت و ساخر ، حتى وصل الأمر بالدعاء عليه بالعذاب والحريق ، بينما قلة دعت له بالغفران والرحمة... ولا داعي للعجب فإنه الشعب المصري المتدين بطبعه! مرت الايام هادئة بحذر ، وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة ، وإذا كان ثمة خبر أو أكثر ، فكان تغطية لخبر مضى ، ولا يخص أبريل في شئ ... ظل الحال هكذا حتى جاء اليوم الموعود (الثامن من ابريل) والزيارة التاريخية و المرتقبة ، والمعد لها من قبل للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ، و الوفد الضخم المرافق له ، وسط تهليل و ترحيب شديدين من أهم مؤسسات الدولة... ولم لا ؟ ...فالرجل ضيف عزيز و قادم وبيده الخير لمصر !! في اليوم التالي للزيارة أستيقظ المصريون على صدمة تنازل مصر عن جزيرتي ( تيران و صنافير ) للسعودية وفق توقيع إتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين!! هذا الحدث الجلل و الأشهر لعام 2016 ، وربما لأعوام قادمة ، لما سيترتب عليه من أحداث! لاشك أن نسبة كبيرة من الشعبين المصري و السعودي ، ليس لديه دراية كافية عن هاتين الجزيرتين ، ربما لحساسية موقعهما الجغرافي بالقرب من الكيان الصهيوني ، لكن الوضع مختلف بالنسبة للمصريين (المسلوب أرضهم) فكان عنصر المفاجأة ، والتوقيت عن اعلان ان الجزيرتين سعوديتين ، إبان زيارة الملك ، ومن ثم الربط ، إنه ما أتى إلا لهذا السبب ، مقدماً مساعدات"ليست خالصة لوجه الله"!! وبالتالي بدا الأمر بوضوح انه خيانة ، وتفريط في أرض مصرية لها قدسيتها من دماء شهداء روت ترابها!! مقابل حفنة من الدولارات ، وتدعيماً لمركز السيسي في حكم البلاد ! ونظراً لخلط الأوراق والغموض ، وعدم مخاطبة الحكومة للرأي العام بشفافية ، على الأقل توضيح تاريخ الجزيرتين ، وإذا كانت فعلا تحت (إدارة) مصرية منذ عام 1950 ، فما الذي جعل السعودية تتهاون في انتزاع حقها كل تلك السنوات ، وتتذكره فجأة عام 2016 ؟! كل هذا كان كفيلاً لخلق حالة من التيه ، والارتباك ، جعلت الكل يهرول نحو الإنترنت للبحث عن خرائط ، و وثائق قديمة ، وقراءة بدوائر المعارف ، وتحميل كتب عن جغرافية سيناء .. للتأكد من احقية مصر للجزيرتين من عدمه. كانت مصر على صفيح ساخن ، لغياب المعلومة من المتخصصين ، كخبراء المساحة والجغرافيا ، الدبلوماسيين ، الخبراء القانونيين ، وزاد الطين بلة انقسام المثقفين ، فهناك البرجماتيون ، والذين تبارو في الدفاع عن ملكية السعودية للحزيرتين! ومنهم من تراجع عن قوله ما بين عشية و ضحاها ! والقسم الثالث من المثقفين والذي ظل على موقفه مؤكدا على مصرية الجزيرتين بالحجة والدليل.. وثمة رأى شذ عن الركب ، للسفير السيد المصري سفير مصر لدى السعودية من العام 1987 وحتى 1991 ، والذي قال من خلال مداخلة هاتفية لأحد البرامج أن (صنافير سعودية ، بينما تيران مصرية) أما عامة المصريين ، فقد أبدعوا ما لذ و طاب من السخرية ، والسباب ، والتراشق فيما بينهم بالألفاظ النابية، والاتهامات بالتخوين ، وإنشاء لجان الكترونية تأييداً ومناصرةً للسيسي ، وأخرى ندماً و أسفاً لرؤساء مصر السابقين.. .. أما الإعلام المصري مغيب كعادته ، ومعروف عنه ولعه بالمال الخليجي فتماهي مع الموقف الرسمي وتبنى وجهة نظره ! ومن ثم تجددت الدعوات بالنزول للميادين يوم الجمعة 15 أبريل لعودة الأرض .. وبالرجوع لخطاب السيسي إياه سابق الذكر ، وفي جملة ارتجالية أخرى قال (متسمعوش غير مني) فكان علينا ان ننتظر ما سيقوله لنا ، وبالفعل خرج علينا في خطابه الأخير يوم الأربعاء بتاريخ 13 أبريل ، وقد أنهى الجدل و قضى الأمر ، مؤكدا على أحقية و ملكية السعودية للجزيرتين!!!!! بدون أن يقدم تبريرا قانونيا سوى (نصيحة الأم)!! والنتيجة: 1- السعودية حصلت على جزيرتين ذات أهمية إستراتيجية ، ولا يقدران بمال ، بالإضافة لعمل دعاية سياحية مجانية لهما بدون قصد ..2- ومصر حصلت على قروض ( بفائدة) واستثمارات ومشاريع (الله وحده يعلم مدى الوفاء بتنفيذها ) ! وفي السياق.. فقد وافق زيارة العاهل السعودي الذكرى ال 46 لقصف اسرائيل مدرسة بحر البقر بالشرقية في الثامن من أبريل 1970 ، وربما سقط من إعلامنا سهواً أو عمداً تذكيرنا بعدونا الوحيد ، بعد أن حوّل العرب بوصلتهم نحو عدو وهمي : الإسلام السياسي ، غير انشغالهم بحروب داخلية غير مبررة فيما بينهم ، حتى تلاشت دول وكيانات عربية ، لم يتبق منها سوى الإسم فقط! وبقية الدول تكافح من أجل البقاء! بينما اسرائيل تتصدر القوائم العالمية في جودة التعليم ، والتكنولوجيا...إلخ والأهم إعلام هادف يخدم قضية بلده و يحافظ على حدود وطنه.. وللتذكير أيضا حلت منذ ايام الذكرى ال 13 لسقوط بغداد أبريل 2003 ..