تعرض الشعب المصري لمحن وصدمات كثيرة في الوعي وكان أقساها وقوع نكسة حرب يونيو 1967 بسبب إغلاق الزعيم عبد الناصر لمضايق تيران في وجه الكيان الصهيوني المحتل، ولكن الشعب الطيب لم يتعرض لصدمة أقسي ولا أعنف مما أصابه فور إعلان الحكومة المصرية نفسها وعلى لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية يوم الجمعة الموافق 9 إبريل 2016 – وبدون أية مقدمات- عن الانتهاء من ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية بثبوت أحقية المملكة العربية السعودية في ملكية جزيرتي تيران وصنافير اللتان تقعان في المياه الإقليمية وتحت السيادة المصرية الكاملة منذ آلاف السنين حتى اليوم قبل ظهور المملكة العربية الشقيقة إلى حيز الوجود عام 1932. بداية أود التنبيه على محددات النقاش الرئيسية تنطلق من : أنه لا يمكن بحال من الأحوال توجيه أي لوم لحكومة المملكة العربية السعودية أو لشعبها في سعيهم وحرصهم علي توسيع دوائر نفوذ المملكة الوليدة شرقا وغربا، فهكذا تفعل كل شعوب العالم وحكوماتها في أوقات صعودها ونهضتها السياسية والاقتصادية، ولكن اللوم يوجه للنظام المصري المصاب بخضة الضعف وقلة الحيلة . ونظرا لما لاحظناه من خلط بين المفاهيم لدي كثير ممن تناولوا موضوع الجزيرتين- ربما نتيجة للصدمة- نود أن نوضح للقاريء الكريم أن هناك فروقا بين معاني المصطلحات الآتية : ملكية الجزر، والسيادة على الجزر، فالملكية في القانون حق عيني جامع مانع يستأثر به صاحبه ويخول له سلطة كاملة علي الإقليم لاستعماله واستغلاله والتصرف فيه، أما السيادة في أدبيات السياسة فتعني السلطة العليا المتفردة والملزمة لكل من وما يوجد علي هذا الإقليم. ولكن كيف نثبت ملكية الأشياء العينية عقار وما أشبه ؟ تثبت الملكية من خلال الاتفاقيات المكتوبة أو المعاهدات بين أطراف النزاع أو بالوثائق التاريخية المسجلة أو بحق السيادة على الأرض، ويتضح مما سبق أنه لابد من تعريف الفرق بين الوثيقة وغيرها الأوراق والمرسلات، فالوثيقة هي عبارة عن سجل مدون كتابة أو صوتا أو صورة يدويا أو الكترونيا، وهي عبارة عن وحدة أرشيفية غير قالبة للتجزئة وتعد وعاء للمعلومات والبيانات ذات القيمة وتعكس نشاط المجتمع تاريخيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو دينيا أو اجتماعيا أو غير ذلك، والوثيقة إما أن تكون وثيقة رسمية أو غير رسمية، حيث تكون الوثيقة الرسمية مشفوعة بماصدقية عالية غير قابلة للطعن كلما كانت أقدم وذات مرجعية قانوبية وتاريخية مؤكدة. ومن ثم فإن ما عرضته وزارة الخارجية من خطابات ومراسلات وبرقيات وتفاهمات حتى اليوم لا ترقي إلى مستوى الوثائق ولا تصمد أمام الوثائق المقدمة لإثبات حق مصر في الجزيرتين، فهماك 17 وثيقة وقرار رسمي ظهرت حتى الآن في مواقع أرشيفية موثوق بها ( موجودة على مواقع متعددة منها بداية والحركة المصرية ضد التوريث – كفاية وغيرها )، وتضم الوثائق خمس خرائط من مكتبة برلين بداية من القرن الأول الميلادي إلى الحملة الفرنسية عام 1798، كما تضم أيضا الخريطة التي رسمها رودفيلد كارل عام 1874 وصولا إلى أوائل القرن العشرين، ثم الخريطة الروسية تحت كود رقم 10بمكتبة برلين، واتفاقية الحدود المصرية مع الدولة العلية ( العثمانية ) في كتاب محيط الشرائع والمعاهدات الدولية لأنطون صفير، والوثيقة البريطانية بالإضافة إلى الوثائق المصرية في المرجع الرصين تاريخ سينا القديم والحديث وجغرافيتها لمؤلفه نعوم بك شقير الصادر في عام 1916 والتي يؤكد فيها ملكية الجزيرتين لمصر، فضلا عن المرسوم الملكي للملك فاروق في يناير 1951 والذي يحدد المياة الإقليمية بستة أميال تشمل تيران وصنافير، وهكذا قوانين صدرت بتوقيع وزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا في العدد 67 من صحيفة الوقائع المصرية عام 1982، وقرار رئيس الوزراء المصري خالد محي الدين في العدد 268 بالقرار رقم 1068 لسنة 1983 .. الخ. إن كل الوثائق المشار إليها لا تؤكد ملكية مصر للجزيرتين فحسب، بل إنها تدل على أن مصر مارست سيادة فعلية مطلقة عليهما وخاضت حربا بسبب تمسكها بالسيادة عليهما في مواجهة العدو الصهيوني عام 1967، وإذا كنت المملكة لديها صك ملكية أو دليل حيازة فلتظهرهما، لأن الملكية الثابتة هي ملكية مصر لهاتين الجزيرتين وفق الوثائق السابقة والتي تجعل من التنازل عنهما جريمة دستورية وقانونية لا يمكن تمريرها ولو عبر استفتاء عام كما يدعو البعض وترفضه الحكومة خوفا و...، وتصر على تمريرهما عبر مجلس النواب. أيها السادة : حق مصر في الجزيرتين حق ملك سيادة وحيازة وأهمية استراتيجية، فعودوا إلى صوابكم يرحمكم الله، لأن عار التنازل عن تراب الوطن لا تمحوه كل كنوز الأرض، فغدا سيذهب الجميع ويبقى الوطن.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.