يقول السيد المسيح لمدعى التطهر وحاملى لواء الوطنية التعبوية ومحترفى إلقاء القاذورات والسخائم على كل المخالفين لهم "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر". استدعيت هذه الحكمة، إثر ما تناقلته وسائل الإعلام حول حذف اسم الدكتور محمد البرادعى من قائمة الحاصلين على جائزة نوبل فى كتاب وزارة التربية والتعليم للصف الخامس الابتدائى باعتباره عبرة وانتقام، والبرادعى كشخصية دولية حاصلة على أرفع جائزة عالمية هو واجهة مشرفة لمصر وللعرب بمعزل عن تحيزاته وآرائه السياسية، فالرجل ليس ملاكًا ولا شيطانًا، بل هو إنسان مصرى وطنى له مبادئ وقيم وثقافة اكتسبها خلال حياته الدبلوماسية وعمله فى المنظمات الدولية عدة عقود بعد انتقاله من وزارة الخارجية المصرية إليها. هذا الرجل قد تتفق أو تختلف مع آرائه السياسية، لكن مساحة المشترك الإنسانى والقيم النبيلة التى يتبناها لا يمكن الاختلاف حولها، أما اختلافى الشخصى معه سواء فى رؤيته السياسية وطريقة إدارته لحزب الدستور وأثناء قيادته لجبهة الإنقاذ فلا يعنى قبولى لما أقدم عليه صغار وزارة التربية والتعليم بمحو اسمه من قائمة الحاصلين على جائزة نوبل؛ لأن اسمه سيبقى أبد الدهر فى قائمة الشرف الدولية وستذهب الأوراق الصفراء بما تحمله من تزييف الوعى إلى سلة المهملات بعد أن تصيب ذاكرة أطفالنا بقيم الجهل والتخلف والتطرف، فالجريمة التى ارتكبتها إدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم تنزع عن عورتها ورقة التوت الذى يحمله شعار التربية وتفقدها شرف وظيفتها التعليمية باغتيال أمانة العلم فى مهد الطفولة؛ لأن الوزارة كمؤسسة تنشئة اجتماعية تربى النشء على تزييف الحقائق العلمية وتتجاهل ثوابت التاريخ لأسباب وضغائن سياسية سممت العقول وغيبت الوعى فى وحل الجهل، وهذه الحادثة تذكرنا بجريمة مشابهة ارتكبتها جامعة القاهرة أثناء احتفالاتها بمئوية إنشاء الجامعة المصرية عام 2008 عندما حذفت اسم البرادعى قائمة الحاصلين على جائزة نوبل لموقفه السياسى المناهض لنظام المخلوع، فما الذى تغير، وما الجديد؟. الجديد قيام ثورتين وشارك البرادعى بقوة فى إزاحة حكم الجماعة الإخوان فى 30 يونيو 2013 ثم شغل منصب نائب رئيس الجمهورية إلا أن ذلك لم يشفع له عند باغضيه لخلاف سياسى محض فوجهت للرجل سهام كثيرة بعضها خرج من جراب الإخوان بسبب مشاركته فى إنهاء حكم محمد مرسى ودعم خارطة الطريق، ووصفه بالانقلابى فى حينه، كما لم ينج أيضًا من طعنات نظام مبارك ومؤسسات الدولة البيروقراطية التى اتهمته بالإخوانية مرة وبالعمالة للغرب عدة ومرات؛ لأنه كان رأس حربة فى ثورة 25 يناير، ولم ينج أخيرًا من غضب وحنق أنصاره من الراغبين فى التغيير بسبب انسحابه المفاجئ من المشهد السياسى فى أعقاب فض اعتصام رابعة وترك الساحة السياسية فارغة ليعبث بها العابثون والمتطرفون وتراجعت آمال بناء مصر الدولة الديمقراطية الحديثة تحت قصف الإرهاب العالمى من جهة وصناعة الخوف باستدعاء نماذج الفشل فى الأقطار العربية المجاورة من جهة أخرى. إن البرادعى الإنسان والشخصية الدولية المرموقة لا تعيبه أخطاؤه السياسية على فداحتها وحساسية توقيتها لأنه بشر، فهو مثل كل المصريين حكامًا ومحكومين بسطاء ومثقفين، فالكل أخطأ وأصاب، أما اتهامه بالعمالة والتآمر لا، كيف قبل نظام ما بعد يوليو وأجهزته الأمنية تعيين البرادعى نائبًا لرئيس الجمهورية؟ وإن كنا نرى أنه خذل أحلام الشباب الذى آمن بأفكاره وطروحاته قبل وإبان ثورة 25 يناير. وفى نهاية المطاف سيذهب مزيفو الحقائق فى الكتب المدرسية الصفراء ووسائل التدليس والصخب الإعلامى إلى مزبلة التاريخ وسيبقى اسم البرادعى الشخصية الدولية راسخا فى قائمة الشرف للحاصلين على جائزة نوبل إلى جوار قامات العلم والأدب والفن فى العصر الحديث، وفى القائمة التى يزينها الأديب العالمى نجيب محفوظ وعالم الكيمياء المصرى المرموق أحمد زويل والداهية السياسى محمد أنور السادات شاء من شاء وأبى من أبى، ولن يغير هذا من إدانتى للبرادعى بانسحابه من المشهد السياسى فى لحظة فارقة، وبعد، فنحن فى أمس الحاجة إلى مراجعة مواقفنا وتصويب خطايانا الثقافية ومواقفنا السياسية التى تستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة فى تشويه الآخر ونصب فخاخ نظرية المؤامرة على قارعة الطريق. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.