بداية الحكاية ، بدأت الخلافات منذ بدأ التفكير فى تشكيل اللجنة المعنية بوضع اللائحة وعدم وجود تمثيل عادل بين النواب المستقلين والحزبيين وكذلك حول نسبة تمثيل المرأة فى اللجنة ، كما ظهرت الخلافات حول اسماء وعدد اللجان المقترح إضافتها فى لائحة البرلمان وكان هناك مقترحات بوجود لجنة للثقافة ولجنة للإعلام ولجنة للسياحة، ولجنة للشئون الدينية والأوقاف ولجنة للتواصل الاجتماعى والعلاقات الإنسانية، ولجنة للشئون الاجتماعية، ومقترحات آخرى بإنشاء لجنة للأمن الداخلى، ولجنة للتكنولوجيا والمعلومات والاتصالات، ولجنة للطاقة وأخرى للصناعة ، وطالب بعض النواب أن يكون باللجنة تمثيل كافى للمستقلين الذين يمثلون الأغلبية داخل المجلس بما يتجاوز 400 نائب، أما النواب المنتمين للأحزاب لا يصل عددهم إلى 200 نائب، ولذلك يجب أن يكون عدد ممثلى المستقلين فى لجنة إعداد اللائحة ضعف عدد الأعضاء الحزبيين . ثم بدأ الصراع ، بأن عدد من النواب تقدموا بطلب إلى رئيس مجلس النواب، بشأن عدم اكتمال النصاب القانونى فى عدد من الجلسات أثناء مناقشة اللائحة الداخلية للمجلس وضرورة إعادة التصويت على هذه المواد مرة أخرى، وأرجع بعض النواب هذا الأمر إلى إعطاء الكروت الممغنطة - من بعض النواب - لزملائهم ليصوتون نيابة عنهم، وآخرون أرجعوا عدم اكتمال النصاب بسبب العودة إلى نظام رفع الأيدى وحقيقة الامر ان هذا حدث بالفعل وان بعض النواب يعطون كارت الحضور لزملائهم ليصوتون نيابة عنهم ، لكن الملفت للنظر هو إصرار رئيس المجلس على إعادة التصويت أكثر من مرة على بعض مواد اللائحة الداخلية لمجلس النواب - دون غيرها - وهو ما يكشف عن أن هناك إصرارا على الوصول إلى النتيجة المخطط لها من قبل إدارة المجلس وهذا الأمر أثار حفيظة العديد من النواب الذين أعلنوا رفضهم لرئيس البرلمان - لهذه الطريقة الغير دستورية فى التصويت - ولكن كلامهم ضرب به عرض الحائط ، كما أن إعادة التصويت على مواد بعينها يعطى انطباعا بالتشكيك فى هذه المواد، وخاصة أن هناك مواد مصيرية لابد من الجدية عند مناقشتها وتوفير مناخ ديمقراطى للنواب واتخاذ القرار عليها مرة واحدة مهما كانت النتيجة، ومن هذه المواد 97 والخاصة بتشكيل الائتلافات، و 44 الخاصة باللجان النوعية، و 24 الخاصة بالتمثيل فى اللجنة العامة . مع العلم أن إعادة التصويت على المادة 97 كان أمر ضرورى ووجوبى طبقا لنص المادة 154 من اللائحة بتقديم طلب من 20 نائبا وأن أكثر من 100 نائب تقدموا بطلب لإعادة مناقشتها وإعادة التصويت عليها مرة أخرى إلا أن رئيس إئتلاف دعم مصر رفض ذلك - الرئيس الأعلى للبرلمان - والمادة 97 هى تلك الخاصة بتشكيل الائتلافات وذلك طبقا للائحة الداخلية للبرلمان وخاصة بعدما انسحب حزب المصريين الأحرار والوفد وبعض الأعضاء المستقلين حين مناقشتها أول مرة اعتراضا منهم على رفع نسبة تشكيل الائتلاف إلى 25٪ - علما بان إئتلاف دعم مصر يشكل اكثر من 65 ٪ من اعضاء البرلمان - كما أن عدم اكتمال النصاب القانونى أثناء التصويت على مواد اللائحة الداخلية يشوب العملية بعدم الدستورية بالإضافة للسبب السابق وهو أن بعض النواب يعطون الكروت الذكية الخاصة بهم لزملائهم ليصوتوا نيابة عنهم ولهذا كان لابد من مطابقة العدد الفعلى الموجود فى القاعة ببصمة الحضور وذلك منعا لتكرار هذه الواقعة . إعلان الحرب بمخالفة الدستور ، رغم ان الدستور فى مادته (118) يفرض إصدار لائحة البرلمان الجديدة بقانون، وبالتالى تسرى عليها إجراءات تعديل القوانين بعد إقرارها، إلا إن مجلس النواب وضع نص خاص فى لائحته الجديدة يستثنيها من الإجراءات المتبعة في تعديل القوانين . حيث نص الدستور على عدم جواز تعديل أحكام اللائحة إلا بناء على اقتراح من مكتب المجلس أو من خمسين عضوًا على الأقل، ويجب أن يتضمن الطلب المواد المطلوب تعديلها ومبررات التعديل، وهو النص المشابهة لما جاء باللائحة القديمة لمجلس الشعب – التى تعتمد على دستور 1971 والذى لم يفرض إصدار لائحة البرلمان بقانون وهو ما يكشف بداية التعارض بين نص اللائحة ونص الدستور .
ويبدو أن هذا التعديل البعض يرى فيه عدم الدستورية لان المواد الجديدة الواردة بمشروع قانون اللائحة ، ستصدر لأول مرة بقانون إعمالا للنص الدستورى فى مادته (118) وعليه تخضع لجميع الإجراءات المتبعه فى تعديل القوانين، ولا يجوز إخضاعها إلى نص خاص فى هذا الشأن وإلا كانت اللائحة مخالفة للدستور . وهناك من يرى أن لائحة البرلمان ذات وضعيه خاصة ، فإن كانت ستصدر بقانون إلا إنها منظمة لشأن داخلى ولا تحتاج لان يتم إصدارها بذات الإجراءات التى تصدر بها القوانين العادية ومن ثم لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يعترض على نصوص قانون اللائحة أو أن يطلب تعديلها أو الرقابة على إصدارها - ونحن لدينا رأي يجمع بين الرأيين - إن النص الوارد فى مشروع القانون فى شأن المادة المنظمة لتعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب بعد إقرارها غير دستورى لأن الدستور فى مادته (118) ينص على أن تصدر اللائحة بقانون، فيجب أن تتبع عند إصدارها ذات الإجراءات المتبعة فى إصدار القوانين ومناقشتها وتعديلها ، ولما كانت هذه اللائحة عمل منظم للسلطة التشريعية فإنه اعملا لمبدأ فصل السلطات لا يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض عليها او التدخل فى نصوصها أوإعادة إرسالها إلى البرلمان لتعديلها بالإضافة او التعديل او الالغاء - بصفته رئيس للسلطة التنفيذية - وكذلك يكون إرسالها إلى مجلس الدولة من أجل المراجعة الفنية والصياغة فقط ولا يحق لمجلس الدولة التعديل او التنقيح او الالغاء - بصفته جزء أصيل من السلطة القضائية . إن اللائحة الداخلية للبرلمان ذات طبيعة خاصة فإن كانت أداة إصدارها قانون لكنها ذات طبيعة خاصة كون هذه اللائحة ليس قانون عام يطبق على كل جموع الشعب المصري مثل غيره من القوانين - قانون العقوبات ، القانون المدني ، وغيره - وإنما هو قانون خاص بفئة معينه وفى وقت محدد ولمدة معلومة على أفراد محددين يحملون صفة خاصة فهو قانون ذو طبيعة خاصة قانون فى إجراءات إصداره لائحة فى أليات تطبيقه .
الجولة الاولى فى معركة اللائحة الداخلية ، يبدو أن هذه الجولة ستكون بين مجلس النواب ومجلس الدولة حيث أن المادة (178) حددت لمجلس الدولة مدة 30 يوما، لينتهى من مراجعة مشروعات القوانين ويرسلها إلى البرلمان وإذ لم يرسلها فى هذه المدة يواصل البرلمان إجراءاته فى إقرار المشروعات وهو كلا مخالف لتصريحات رئيس لجنة إعداد مشروع اللائحة بأن مجلس الدولة يرد خلال 10 ايام . والحقيقة أن هذه المادة بها شبهة عدم دستورية فى تحديد مدة لمجلس الدولة فى نظر مشروعات القوانين وذلك لعدم جواز وضع نص قانونى يلزم هيئة قضائية معينة بمدة معينة انطلاقا من واقع أحكام المحكمة الدستورية العليا التى تفيد بأن القاعدة الإلزامية للهيئات القضائية فيها شبهة عدم دستورية فلا يجوز تقييد القاضى او التدخل فى عمله نظرا لمبدأ إستقلالية العمل القضائية ومبدأ الفصل بين السلطات
أما المادة الثانية التى تحمل شبهة عدم دستورية فهى المادة (159) المنظمة لإحالة المشروعات بقوانين إلى اللجان المختصة ، حيث أغفلت تنظيم وضع مشروعات قوانين رئيس الجمهورية، التى من المفترض أن تحال وفقا للأعراف البرلمانية السابقة إلى اللجان المختصة، حيث تنص المادة على أن رئيس المجلس يعرض مشروعات القوانين الواردة من الحكومة أو عُشر أعضاء مجلس النواب فى أول جلسة تالية لورودها أو تقديمها بحسب الأحوال، ليقرر المجلس إحالتها إلى اللجان المختصة" و أنه كان يجب النص على إحالة مشروعات القوانين المرسلة من الرئيس أيضا إلى اللجان المختصة مثل مشروعات الحكومة لأن المشروعات المقدمة من الحكومة لا تشمل مشروعات قوانين الرئيس .
وتأتى المادة رقم 156 كثالث مادة بها شبهة عدم دستورية حيث سمحت طبقا للفقرة الأخيرة منها للنواب من رجال الشرطة والجيش بالعودة لعملهم إذا وافقت الجهة وذلك بالمخالفة لقانون مجلس النواب الذى نص على أنه لا يجوز لرجال الجيش والشرطة والرقابة الإدارية والمخابرات والجهات والهيئات الرقابية الترشح إلا إذا قدموا استقالتهم وتنص المادة 156 على "أنه يجوز لعضو الهيئة المستقلة، أو الجهاز الرقابى الذى انتخب أو عين فى مجلس النواب العودة لعمله السابق على ترشحه قبل اكتسابه العضوية وذلك بموافقة جهة عمله، فإذا لم توافق جهة عمله على عودته، شغل وظيفة تعادل الدرجة الوظيفية لأقرانه فى جهة عمله فى الجهاز الإدارى للدولة، ويلغى كل حكم يخالف ذلك، وتسرى هذه الأحكام على غيرهم من الفئات التى استلزم القانون تقديمهم للاستقالة قبل الترشح عدا الوزراء ونوابهم، ورؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، والمحافظين ونوابهم" و المادة تعنى فى فقرتها الأخيرة أن الحكم المطبق فى الفقرة الأولى وهو عودة عضو مجلس النواب لعمله السابق بعد انتهاء مدة عضويته يطبق على جميع الفئات التى ألزمها القانون بتقديم استقالتهم قبل الترشح، "هذا النص لو تم تنفيذه سيكون بأثر مباشر وليس بأثر رجعى، أى أنه لا يطبق على من ترشح وأصبح عضوا بالبرلمان" كما أن الاستقالة التى قدمت من النواب الذين كانوا يعملون بالشرطة والجيش والمخابرات والرقابة الإدارية وقبلت وتحصنت بمرور 60 يوما عليها، ساهمت فى استقرار المراكز القانونية لهم و أن هذا النص سيطبق على الفصل التشريعى القادم أى بعد انتهاء مدة هذا المجلس لأنه لو طبق فى الفصل التشريعى الحالى ستكون هناك شبهة عدم دستورية للإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص لأن هناك كثير من الضباط عزفوا عن الترشح بسبب هذا النص وإن كنا نرى ضرورة تعديل قانون مجلس النواب بحيث يتم فيه إلغاء شرط تقديم الاستقالة حتى يتماشى مع تعديل اللائحة.
يأتى بعد ذلك المادة رقم 366 كرابع مادة باللائحة تحمل شبهة عدم دستورية، حيث تنص على أن يتم إدراج موازنة مجلس النواب "رقما واحدا" فى الموازنة العامة للدولة وهو امر يخالف الدستور لأن الدستور نص على الموازنة رقم واحد للهيئات القضائية والجيش ولم ينص على مجلس النواب، ولو كان المشرع الدستورى يريد أن يتم وضع موازنة البرلمان رقما واحدا لكان قد نص على ذلك، ولما كانت اللائحة ستصدر بقانون وبالتالى يمكن أن يتم الطعن عليها بعدم الدستورية إذا تعارضت أى مادة من موادها مع الدستور وهو ما قد يترتب عليه إلغائها ووقف ميزانية المجلس .
مادة "بدلات النواب" رقم (430) كخامس مادة خلافية، يشوبها عوارا دستوريا، حيث تنص على أن تعفى المبالغ التى يتم صرفها لأعضاء مجلس النواب كبدلات من الضرائب والرسوم ونرى أن تلك المادة بها مخالفة دستورية حيث لا يوجد قانون يفيد بإعفاء بدلات أعضاء البرلمان من الضرائب، وإن ذلك الأمر يتطلب تعديل فى قانون الضرائب فيما يتعلق بالفئات . ربما سيكون للائحة الداخلية دور كبير فى احتلال المشهد السياسي والاعلامي خلال الأيام القادمة وستكون الجولة الثانية فيه بين إئتلاف دعم مصر ونواب البرلمان ، انتظرونا .