تمر مصر هذه الأيام بظروف قاسية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأمنيا ويضاف إليها مجموعة الملفات المتراكمة من عهود سابقة مثل الفساد المالي والإداري والأخلاقي وانهيار منظومات التعليم والصحة والإعلام والرقابة وغيرها. في ظل هذه الأوضاع البائسة التي ألمت بالبلاد ولا ينكرها إلا منافق أو فاسد أو موالس أو أعمى البصيرة أبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي إعجابه وانبهاره بالمواطن الياباني والكوري الجنوبي بعد زيارته للبلدين منذ بضعة أيام. وقد تمنى السيد الرئيس أن ينقل المواطن الياباني أو الكوري الجنوبي إلى مصر، وهو أمر يدعو إلى الدهشة والعجب من رئيس يقول إنه يعرف عن الشعب المصري أكثر مما يعرف الشعب عن نفسه. فهل معنى ذلك أن السيد الرئيس يتصور أن هذا المواطن الياباني الجاد والمتفاني في عمله منفصل عن بيئته الثقافية والسياسية والاجتماعية ؟ هل نشأ وتربي بعيدا عن سياسات وإدارة حديثة ؟ هل هذا المواطن الكوري الجنوبي نبت من فراغ بعيدا عن تلاقح الأفكار وتعدد الرؤى وحرية التعبير والفكر ؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تخلفت كوريا الشمالية عن كوريا الجنوبية وهما من نفس العجينة ؟ وهل يظن السيد الرئيس أن المواطن الياباني من عجينة أخرى غير البشر في شتى دول العالم ؟ القضية بلا مواربة ولا لف ولا دوران إن مشكلة الإنسان المصري تبدأ من قياداته ومن سوء إدارة شئونه السياسية والاقتصادية والأمنية، ولنا في المصريين الذين يعملون ويتفوقون في شتى بقاع العالم في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وإيطاليا خير مثال لما نقول، لماذا نجح هؤلاء وفشل أشقاؤهم في مصر ؟ والمصريون الموجودون في البلاد الأوربية وفي بعض البلاد العربية يتبوأون أعلى المناصب ويشار إليهم بالبنان، لأن هؤلاء المصريين وجدوا في بلاد لديها نظم سياسية توقر العلم العلماء وتركز استثمارتها العاجلة والآجلة في التعليم والتعلم والبحث العلمي باعتباره قاطرة التقدم، وتعتني تلك البلاد بصحة المواطن باعتبارها ثروة قومية والقوة الضاربة لمنظومة العمل والإنتاج، بلاد تجعل أولوية الوقاية خير من العلاج المتأخر والمتردي على نفقه المواطن الفقير، هذه البلاد يتقدم فيها قيم العدل وكرامة الإنسان والكفاءة والديمقراطية والإدارة الحديثة على ما عداها من قيم الأمن المتخبط والفهلوة والاستبداد وعبادة الرأي الواحد. القضية معكوسة سيادة الرئيس حتى لو نقلت الشعب الياباني أو الشعب الكوري أو الشعب الألماني الدقيق نفسه بعشرات الملايين إلى مصر وتعاملوا مع نفس القيادات والسياسات والرؤي العقيمة ومؤسسات البيروقراطية المتحجرة تلك البيئة القاتلة للإبداع سيكون المنتج النهائي ركام مواطن وليس مواطنا كامل الأهلية وفاقد للانتماء وربما من أسوا شعوب الأرض. سيادة الرئيس الشعوب لاتتقدم بصناعة الخوف وتصديره، بل باحترام القانون وإقرار العدل واحترام الدستور، والشعوب لا تتقدم بادعاء العلم والمفهومية، بل بالعلم الحقيقي القائم على أحدث منجزات العصر، والشعوب لا تتقدم أبدا بغلق منافد الفكر والثقافة والإبداع، بل بإطلاق المبادرات وتنوع الرؤي وتلاقح الأفكار، وأخيرا سيادة الرئيس : الشعوب لا تتقدم باستيراد شعوب أخرى متقدمة للبيئة الطاردة للكفاءة، بل بتغيير القيادات العاجزة وتداول السلطة وبناء مجتمع متماسك وروح جماعية قادرة على طرح الرؤى والحلول العبقرية، مجتمع يعظم قيم العمل وقبول الآخر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.