علي بعد210 كليو مترات من كوريا الجنوبية واليابان تقع جزر صخرية غير مأهولة مساحتها أقل من210 آلاف متر يتنازع البلدان علي السيادة عليها, ويلقي الخلاف الحاد بشأنها بظلال كثيفة من الشك والمخاوف, حول إمكانية أن يتسبب تشبث كل طرف بها في نشوب حرب بينهما. الكوريون الجنوبيون يسمونها دوكدو جزيرة الصخرة بينما يعرفها اليابانيون باسم تاكشيما جزيرة البامبو, وإن استطلعت الحقائق علي أرض الواقع سوف تكتشف أن الجزر يقطنها نفر قليل من مواطني كوريا الجنوبية لا يتجاوز عددهم ثلاثة طبقا لبعض التقديرات, ويعيش إلي جوارهم بعض عناصر الأمن الذين يعملون في قسم للشرطة بها, علاوة علي فنار, ومهبط مخصص للطائرات الهليكوبتر. وما يهمنا في تلك القضية الشائكة ليس البحث عن مدي أحقية أيا من الطرفين, وانما الدروس والعبر المستفادة منها, وعلي وجه الخصوص ما يفعله الجانبان لتأكيد تبعية الجزر لهما, وجعلها حاضرة طوال الوقت في الذاكرة الوطنية, ولا تغيب عنها ثانية واحدة. فمثلا اتفقت منظمات المجتمع المدني الكوري بالتنسيق مع رابطة المعلمين علي اعتبار الخامس والعشرين من أكتوبر يوما لدوكدو, حيث يستمع الطلاب لدروس عن كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالجزر, وأن يزرع داخلهم منذ الصغر حبها والرغبة في الدفاع عنها وحمايتها من محاولات تغيير هويتها الكورية, حتي أن المقرمشات المقدمة اليهم في هذا اليوم يكتب عليها أنا أحب دوكدوس. أما النشطاء والأحزاب والقوي السياسية فإنها تنخرط علي مدار العام في أنشطة ترمي لزيادة وعي الناس بالمشكلة, وتوفير الدعم الشعبي للتحركات الحكومية الخاصة بها. وعقب زيارة كيم ميونج باك رئيس كوريا الجنوبية, للجزر في أغسطس المنصرم, قرر العشرات من المثقفين والفنانين وطلبة الجامعات تنظيم مسابقة للسباحة للجزر بطول230 كم, وكان من بين المشاركين فيها كيم جانج هون مطرب الروك الشهير. وما أن تجلس مع دبلوماسي كوري جنوبي حتي يبدأ بعد السلام والتحية في استعراض أدلة ثبوت سيادة بلاده علي الجزر, وبلغ الحماس حده الأقصي ببعض الكوريين الجنونبين بقطعهم أصابعهم أمام السفارة اليابانية في سول, تعبيرا عن حق بلادهم في دوكدو. بدورهم يسعي اليابانيون لإثبات أحقيتهم فيها, فمحافظة شيماني خصصت الثاني والعشرين من فبرابر كيوم لتاكشيما, ويمتلئ بنشاطات كثيرة احتفالا بالمناسبة, وصدرت تعليمات مشددة للمدرسين في مختلف أنحاء اليابان بالعمل علي تعميق فهم التلاميذ وإدراكهم لأراضي بلادهم وسيادتها, بل أن محطات التليفزيون تحرص علي إيراد معلومات عنها في نشراتها وبرامجها, بما في ذلك درجات الحرارة, وبعضها ينهي إرساله بلقطات للجزر مع عزف النشيد الوطني. وكلنا يتذكر أنه عقب فوز منتخب كوريا الجنوبية لكرة القدم علي نظيره الياباني في أوليمبياد لندن الأخيرة, رفع اللاعب الكوري الجنوبي بارك جونج وو, لافتة كتب عليها أن دوكدو منطقة كورية, وهو ما حرمه من الحصول علي الميدالية البرونزية, بعد اتهامه بمخالفة قواعد الأوليمبياد المحظور خلال منافساتها استغلالها لأغراض سياسية, القرار جاء استجابة لطلب احتجاج ياباني. عند هذه النقطة حتما ولابد سوف تتساءل عن صلة كل ما سبق بسيناء غير المتنازع علي السيادة عليها مع احد؟ نعم سيناء لا يوجد نزاع حولها, لكنها غائبة عن الإدراك والاهتمام العام, رغم أحاديثنا اليومية عما يتهددها من إخطار محدقة, ومساع علنية لفصلها عن الوطن, تارة بواسطة مجموعات من أهلها فاض بهم الكيل من الإهمال والتجاهل, وجماعات دينية تتخذ من منهج التكفير سبيلا لإقامة إمارة إسلامية, وإسرائيل التي تزعم أنها باتت خارجة عن قبضة مصر الأمنية, وأرسلت خطابا لمجلس الأمن بهذا المعني, وهو ما حدا بوزير الخارجية للتصريح بان السيادة علي سيناء حق مصري غير قابل للنزاع. إن تأمل حال سيناء علي وجه العموم سوف يشعرك بحجم تقصيرنا وإهمالنا لها, وفي الطليعة نخبتنا الثقافية والسياسية والمجتمع المدني, فنحن نتعارك ونختلف في القاهرة علي الفتات والمصالح تاركين سيناء غارقة في ظلمات الإهمال وسيف الانسلاخ.