إن الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن الحرب علي الإرهاب، دون الحرب علي الفساد فهذه مسألة ملحة وضرورية وكما تخوض مصر المعارك ضد الإرهابيين ومن علي شاكلتهم لابد من خوض معركة ضد الفساد ورموزه الذين نهبوا البلاد وأوصلوها إلي درجة من التدني يدفع فاتورتها هذا الشعب . لقد أصبح الفساد المصري ثقافة شعب بالفعل، لذلك لا يدهشني منظر تقيح الفساد المتفشي على الجسد المصري ولا رائحته النتنة ،فرغم ثوراتنا وشعاراتنا الرنانة المجلجلة والمصدعة لرؤوسنا "المتصدعة" ليل نهار وكأنها بلغم يطبق على صدورنا فنبصقه في وجه القلة الساذجة المتطلعة لمجتمع فاضل لا ينقصه إلا الأفاضل حيث لم يبقى لنا إلا ما بقىَّ من أسبوع الفُضل "والفضلات" . نعم لقد أصبح الفساد محمية طبيعية ،لهذا يسعى المجتمع عامة وحكومته خاصة لحماية الفساد والمحافظة عليه من أجل الاحتفاظ بالبيئة المصرية . الفساد لدى الحكومة أهم من الآثار لذلك تترك الآثار تُهان وتنهار، والفساد أهم من التراث المصري القديم ،فالفساد تراثنا الحقيقي الذى يفتح أبواب الثراء الجانبية أما الآثار والتراث والمحميات الطبيعية الحقة لن يأتي منها إلا ثراء خزائن الدولة الرسمية بجانب سياحة لن يأتينا منها غير وجع القلب ، مجموعة من الناس المتحضرين الذين سيطالبونا بالنظافة والنظام وأن نلتزم بعقودنا ،أى سيكونوا معاول هدم لزمن الفساد الجميل . من هذا المنطلق نجد إصرار حكومي شديد لحجب القانون عن الفساد وتعجيزه حتى لا يقطع شهوة الفساد وهى شهوة ممتعة بالطبع مثل كل شهوات الحرام . انظر إلى الشارع وحماية بلطجية "الميكروباسات" و"التكاتك" وكل المخالفين جهاراً نهاراً ،وبين تلك الفوضى العارمة لا يُطل القانون من معطفه إلا فى وجه شاب لأن شعره طويل فيكون مشبوه أو ماركة سيارته مستفزة . أما المحليات عاهرة الفساد المُدللة التى تتعرى بالفعل من أجل المال فتُعري المجتمع لدرجة أنها عَلَّمَت كل من أتى ليترأسها أن "يترقصها" . هذا مشهد أمام عيني بالحق كاشف لكل معاني الفساد وصادم لكل الحالمين المصدقين للمتشدقين وهكذا ضاعت فرص عديدة وظلت البلاد تراوح مكانها بسبب ضعف ذاكرة الشعوب وغياب ثقافة التوثيق والتقييم والاعتبار والمحاسبة، فلا أحد يتحمل مسؤولية أخطائه فضلا أن يعتذر أو يعتزل، الكل يتفنّن في التنصّل من المسؤولية وإيجاد المبرّرات والشمّاعات، ولم يهتد بلد عربي واحد إلى طريق النهوض، بل إن كثيرا منها في تراجع، والسبب بسيط: غياب مشروع نهضوي وزعامات وطنية تعبّئ الشعب وتوحّده، وضعف الهوية الوطنية والحس الوطني لحساب الولاءات والنزعات والأجندات الفئوية. والذين يغشون منتشرون بدون أي رقابة او محاسبة لذا أصبح من الصعب السيطرة على الفساد وأصبح ينتشر ويبدأ من أعلى قمة الهرم حتى يصل إلى أدنى المستويات الوظيفية في المجتمع متمثلة بعامة الناس من بائع النفط او الغاز او عامل النظافة ,كما ان ضعف المستوى الثقافي للبعض شكل عقبة كبيرة في طبيعة فهم مساوئ الفساد وأثاره إضافة الى ضعف الجانب الإعلاني الجاد المسنود بمبدأ الثواب والعقاب فالظاهر فقط ذكر لافتات توضح عبارات معينة ووضعها في الشارع او توزيعها على الدوائر والبيوت والمحلات . واهم من هذا هو تذبذب او عدم الاستقرار السياسي والأمني قد اثر سلبا على إيجاد السبل او الحلول المناسبة للفساد الاداري ويرتبط الفساد بأربعة عوامل : ۱. الية السلطة السياسية والادارية وكيفية الوصول اليها والخروج منها ۲. مدى الحماية التي يتمتع بها المواطن تجاه السلطة السياسية والادارة العامة في اطار دولة الحق . ۳. منظومة القيم في المجتمع نتيجة تراكمات تاريخية وثقافية 4. مشاكل الادارة ذاتها وما ينتج عنها من تلكؤ او استرخاء U ثانيا اشكال الفساد الفساد مصطلح يتداوله كثير من الناس وقد جاء مع بداية الخليقة ولطالما كان السبب في تدهور كثير من الانظمة وذلك بسبب سوء استخدام السلطة واصبحت قضية الفساد من اهم القضايا التي تواجه المنظمات الادارية وعلى جميع الاصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ويأخذ الفساد أنماط متعددة منها : ۱. الفساد الإداري ۲. الفساد الاجتماعي ۳. الفساد الاقتصادي 4. الفساد السياسي 5. الفساد الفردي ويعتبر الفساد الاداري من اهم انواعه ويمثل المحور الاساسي في حركة الدولة او السلطة وهذا ناتج في كثير من الاحيان من فساد العاملين او ما يسمى بالفساد الفردي والذي يتمثل بالنشاطات والسلوكيات المنحرفة التي يمارسها فرد او مجموعة من الافراد لتحقيق مصالح شخصية وللفساد مظاهر متعددة ))الرشوة ,اختلاس الاموال العامة ,التزوير ,الانتفاع عن طريق استغلال السلطة ,الانتفاع من الاشغال العامة ,مخالفة القوانين والانظمة والتعليمات ,عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ,ضعف الاداء ,وهذه الجرائم وغيرها تمثل اخلالا بواجبات الوظيفة العامة . ويمكن تحديد اشكال الفساد الاداري بالصور الاتية : اولا :الرشوة :وهي صورة يلتمسها كل ذي حسن في تعامل وسلوك الموظف مع عامة المجتمع عندما يزيد استغلال سلطته وهي ذات قيمة ((مادية او عينية )) ثانيا :المحاباة والمحسوبية : ان الدافع وراء الفساد الاداري هو وجود بيئة فاسدة تساند فيه السياسة العامة للحكومة نظاما بيروقراطيا يحتوي على سوء التنظيم الاداري . ثالثا :الاحتيال :تستخدم جريمة الاحتيال هنا للحصول على منافع شخصية تدر على مرتكبيها كسبا ماليا او معنويا . رابعا :استغلال النفوذ من قبل السياسيين او موظفين في المنظمات الادارية للحصول على منافع شخصية . وان اهم أسباب تفشي ظاهرة الفساد هو مرور البلد بمراحل انتقالية سياسية او اقتصادية مما يوفر فرص للفاسدين للقيام باعمال خارجة عن القانون مستغلين ضعف الاجهزة الرقابية إضافة الى الأسباب الاجتماعية والتي تتجسد ببعض القيم التقليدية البالية او الطائفية والقبلية والعشائرية والروابط القائمة على النسب والقرابة وكذلك سيادة الجهل والتخلف وانعدام المبادىء الاخلاقية . كما ان للفساد أثار على كافة المستويات التشريعية والتنظيمية والاقتصادية حيث يعتبر طارد لرأسمال الاستثماري كما يؤثر على شرعية النظام واستقراره ويفقد الفئات الاجتماعية ثقتهم بالحكومة .لذلك لابد من الحد من ظاهرة الفساد الإداري واعتماد العمل بالشفافية لبناء منظمات إدارية وقيام دول المؤسسات والقانون . لذا أصبح لزاما على الأنظمة السياسية تهيئة الوسائل المهمة لمحاربة ظاهرة الفساد واتخاذ إجراءات واضحة سواء الرقابية منها او القانونية . المبحث الثاني الإصلاح الإداري المفهوم والابعاد 1 المفهوم تتطلب معالجة الفساد الإداري معرفة الوظائف الاجتماعية والإدارية والسياسية التي يتطلب القيام بها .لان المعالجات غير فاعلة اذا اقتصرت على البنيات الفوقية دون توفير بدائل شرعية لبعض وظائف الفساد . وان معيار الإصلاح الإداري ليس بضخامة الأبنية الإدارية ولاتوفير مؤسسات متعددة ولا الدورات التدريبية للموظفين معيار الإصلاح هو تحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن من خلال هذا الإصلاح .المواطن هو المدخل الى الإصلاح الإداري نقطة الانطلاق ونقطة الوصول . اذن من اين البدء في مكافحة الفساد بأشكاله اليومية والتي تسهم الخدمات الإدارية ؟ يقضي غالبا العدول عن المشاريع الكبرى التي هي هروب من أمور جوهرية ممكنة سعيا وراء إصلاح شامل بعيد المنال .بل يتولى جزء كبير منها الجمعيات الطوعية في المجتمع لخلق قوى ضاغطة في هذا المجال .