سعد الدين إبراهيم: لا يمكن وصف 4ملايين مصرى بالإرهاب.. الجماعة تتمسك ب «اللاءات الثلاثة».. والنظام يلتزم الصمت عاد الحديث عن المصالحة بين النظام و"الإخوان المسلمين" إلى الواجهة مجددًا في الأسبوع الماضي، على لسان الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مجلس أمناء مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، بعد فترة صمت استمرت لأشهر، في ظل أنباء عن وجود قنوات مباحثات سرية متعددة بين الطرفين بوساطات إقليمية ودولية. وجاءت زيارة إبراهيم المثيرة للجدل لاسطنبول ولقاءاته مع عدد من رموز القوى السياسية المعارضة ل "خارطة الطريق"، وفي مقدمتهم الدكتور محمود حسين، الأمين العام لجماعة "الإخوان"، والدكتور أيمن نور، زعيم حزب "غد الثورة"، والرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، لتفتح الباب مجددًا أمام عودة ملف المصالحة إلى الواجهة، خاصة في ظل حالة من الارتباك تخيم على المشهد في مصر، نتيجة لانعدام الرؤى السياسية، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية واستمرار انهيار الجنيه المصري أمام الدولار. وقال إبراهيم إنه يجدد دعوته للنظام ل"إطلاق مصالحة شاملة مع الجميع، بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، قبل فوات الأوان، وهو أمر لا أفقد الأمل في إتمامه، فهذا هو باب لاستقرار وتنمية وتقدم مصر". وأضاف أنه "ليس رسول السلطة أو المعارضة في إتمام المصالحة"، مشددًا: "لامفر منها، والواقع والتاريخ يؤكد أهميتها لأنها باب رئيسي في حل أزمات مصر الحالية"، وأوضح أن "الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تصالح مع قريش رغم كل ما فعلوه، ونيلسون مانديلا الزعيم الجنوب أفريقي الراحل بعد 27سنة في السجن، أعلن المصالحة ببلاده". وتابع إبراهيم موجهًا كلامه للنظام: "لا يمكن لجماعة يصل عدد أفرادها ل 3 أو 4ملايين شخص، ويطلق النظام عليها إرهابية، فهي ليست كذلك، ولا يجب اتهام المعارضة بالإرهاب، ومن يثبت عليه ارتكاب الإرهاب يحاكم وفق القانون". وكان إبراهيم قد طرح قبل عامين مبادرة ل"حلحلة الانقسام السياسي بالبلاد"، ووقتها لم يتجاوب طرفا الأزمة معها، ثم عاد الكرَّة مرة أخرى في 2015، باقتراح تنظيم استفتاء شعبي حول المصالحة مع الجماعة. ولم يعلق النظام رسميًا، على دعوة المصالحة. إلى ذلك، نفت جماعة "الإخوان المسلمين"، على لسان أمينها العام محمود حسين، مطالبتها سعد الدين إبراهيم "التوسط لعقد مصالحة مع النظام". وقال حسين في بيان اطلعت عليه "المصريون"، منتصف الأسبوع الماضي، إن "موقف جماعة الإخوان واضح ومعلن وهو أنه لا تنازل عن الشرعية، والتمسك بعودة الرئيس (الأسبق) محمد مرسي، ولا تصالح مع مَن تلوثت أيديهم بالدماء، ولا تنازل عن حق الشهداء، ولا عن تحقيق مطالب ثورة يناير". وبشأن اللقاء الذي جمعه بسعد الدين إبراهيم، أوضح حسين، أن "ما تم كان لقاءً عابرًا خلال زيارة صحية لأيمن نور، تواجد خلالها دون ترتيب، كل من سعد الدين إبراهيم، والمنصف المرزوقي (الرئيس التونسي السابق)، وآخرون، وكان الحوار الذي دار بين الحضور حوارًا عامًا، لم يتطرق إلى مبادرات، أو مصالحات". في السياق ذاته، نفى أيمن نور زعيم حزب "غد الثورة"، ما أثير عن وساطته لطرح مبادرات سياسية، قائلاً عبر حسابه على موقع "تويتر": "لا صحة لما نشر من طرح أي مبادرات سياسية أو وساطة في لقاءات تمت في منزلي عرضًا، وكانت جميعها في إطار اجتماعي". من جهته، استبعد السفير عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية السابق، نجاح أى محاولات للوساطة بين الدولة و"الإخوان"، مرجعًا ذلك إلى "عدم وجود رغبة لدى الطرفين فى دعم هذه الوساطة، فالسلطة ترى نفسها - وهذه "كارثة" - نجحت فى الإجهاز على الجماعة وحققت طبقا لوجهة نظرها نجاحات كبيرة سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، بل واستطاعت اكتساب شرعية دولية متغافلة عن حجم الاحتقان والأزمة الاقتصادية الطاحنة، التى تفرض ترتيب الأوراق والسعى نحو مصالحة وحوار وطنى شام"ل. فى المقابل، رأى الأشعل أن "جماعة الإخوان ترتكب نفس الخطأ برفعها سقف مطالبها إلى أعلى حد، عبر التمسك بعودة الرئيس السابق محمد مرسى وإبعاد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسى ومحاسبة مَن وقفوا وراء الفض الدامى لاعتصام رابعة، متجاهلة أنها فقدت كثيرًا من أوراقها. وقال إن "الدكتور سعد الدين إبراهيم لا يملك النفوذ ولا التأثير على الطرفين لإنجاح مثل هذه المصالحة خصوصًا أن هناك تيارين داخل السلطة والإخوان يرفضان أى حديث عن المصالحة". وأكد أن "تردد المملكة العربية السعودية فى طرح مبادرة جادة للوساطة بين الإخوان والدولة وارتفاع ثقف طموحات الطرفين كرّس اعتقادًا بأن هذه المصالحة لازالت بعيدة المنال رغم أنها تبقى الخيار الوحيد أمام الطرفين للخروج من عنق الزجاجة التى تعانى منها البلاد فى ظل الوضع السياسى الحرج، والكارثة الاقتصادية، وتراجع الدعم الخليجى، مع انهيار أسعار البترول وانخفاض عائدات البلاد من السياحة وتراجع إيرادات قناة السويس. إلى ذلك، قالت مصادر دبلوماسية، إن "القاهرة أبلغت عددًا من القوى الإقليمية بأنها غير مستعدة لتقديم أى تنازلات لجماعة الإخوان باستثناء إمكانية اتخاذ مواقف مرنة من أحكام الإعدام ضد مرسى وقيادات الجماعة ودمجها فى المشهد السياسى بشروط الدولة، وهو ما رفضته الجماعة ودعت للتنصل من جميع الوساطات ومنها وساطة مدير مركز ابن خلدو"ن. فيما يرى الدكتور أنور عكاشة، القيادى الجهادى البارز، أن "الضبابية التى تسود موقف جماعة الإخوان من خيار المصالحة ومنها وساطة الدكتور سعد الدين إبراهيم، تعود إلى التداعيات الكارثية لمثل هذه المصالحة على الجماعة فى ظل وجود تخوفات من انهيارها وانقسامها بشكل غير مسبوق بين تيارين مؤيد للحفاظ على الجماعة وآخر يتمسك بعودة مرسى ويرى دون ذلك خيانة للدماء والتضحيات". وقال إن "التيار الرافض للمصالحة مع الدولة حاليًا هو الغالب داخل الإخوان، لاسيما أن كل العروض المقدمة للمصالحة لم تلب طموحات التيار المؤيد للمصالحة بشكل دفعه للتنصل من أى محاولات للوساطة، خصوصًا أن الإشارات الصادرة من عواصم معروفة بدعمها للإخوان لازالت متحفظة على أى تسوية تطوى صفحة مرسى وتتجاهل محاسبة من أطاحوا به ووقفوا وراء فض اعتصامى رابعة والنهض"ة. من جانبه، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن "محاولات الدكتور سعد الدين إبراهيم للمصالحة بين الدولة والإخوان لن يكتب لها النجاح، كونها لا تتجاوز اعتبارها مسعى شخصيًا منه للعودة للأضواء مجددًا"، لافتًا إلى "عدم وجود رغبة رسمية للمصالحة من جانب السلطة فى ظل المواقف الراديكالية التى مازالت الجماعة وحلفاؤها يتمسكون بها". واستبعد فهمى "أى تقارب مصرى تركى فى المرحلة القادمة تكون له تداعيات إيجابية على ملف المصالحة أو أى إمكانية لزيارة الرئيس السيسى لتركيا والمشاركة فى القمة الإسلامية"، لافتًا إلى أن المشاركة المصرية فى القمة الإسلامية المقررة الشهر القادم لن تزيد على مستوى وزير الخارجية أو النزول بها لمستوى مساعد وزير خارجية أو القائم بالأعمال المصرى فى أنقرة، فى ظل استمرار تباعد وجهات نظر الطرفين فى أغلب القضايا ذات الصلة". وكان سعد الدين إبراهيم قال في مقابلة مع وكالة "الأناضول"، إن "قمة دول منظمة التعاون الإسلامي المقبلة في إسطنبول، ستكون فرصة جيدة لتطبيع العلاقات المصرية التركية، وربما إجراء لقاءات غير معلنة بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين، والمسئولين السياسيين المصريين الذين سيمثلون بلادهم في القمة". وأعرب إبراهيم الذي يتواجد في مدينة إسطنبول التركية، في مقابلة مع وكالة "الأناضول"، عن أمله أن تكون القمة الإسلامية فرصة "لتخفيف حدة الخلاف والتوتر بين القيادة التركية والمصرية". وأضاف : "لا بد من تخفيف حدة الخلاف، وهذه مناسبة جيدة لإعادة العلاقة تدريجياً، ولا يعقل أن تطبِّع مصر علاقتها مع إسرائيل، وتبقى علاقتها متوترة مع دولة إسلامية محورية مثل تركيا، والمطلوب هو المصالحة على جميع المستويات".