انتقد الكاتب الصحفي أحمد المسلماني، التصريحات المتضاربة للكاتب الكبير محمد حسين هيكل، حول تورط الرئيس الراحل أنور السادات، في وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، متسائلًا: كيف يعتبر "الأستاذ" أن اتهام الرئيس السادات بقتل الرئيس عبدالناصر، بعد كل هذا اللغط مجرد موضوعٍ عابر. وكان نص مقال "المسلماني"، بصحيفة "المصري اليوم": (1) على غِرار كتابى «الجهاد ضد الجهاد».. تمنيتُ لوْ أنَّ «المؤرخين الجُدد» بدأوا دراسة تناقضات الأستاذ محمد حسنين هيكل.. ما بين كتاباته بالعربية والإنجليزية.. وداخل كتاباته وأحاديثه.. ما بين «نصٍّ» و«نصٍّ مضاد». وكم أتمنَّى أن يكون ذلك العملُ رصيناً ومعرفياً، لا حاقداً أو دعائياً.. يَضَعُ أمامَ الأجيال تلك المعادلة المدهشة: «هيكل ضد هيكل». (2) ثمّة جهود متميزة فى هذا المضمار.. وهناك من أضاءوا بعلمٍ ووعى على تكذيب «الأستاذ» ل«الأستاذ».. وردِّ «الأستاذ» على «الأستاذ».. ومساحات «الإلغاء الذاتى» فى المشروع الصحفى للأستاذ. ويمكن الإشارة فى هذه الوقْفة إلى موضوعٍ مثير.. يتعلَّق برواية الأستاذ هيكل لوفاة الرئيس جمال عبدالناصر.. ثم روايتِه المضادَّة لروايته السابقة.. وفى كل مرةٍ.. يبدو «الأستاذ» واثقاً ممّا يقول ويروى! (3) أثار الأستاذ هيكل الشكوك حول وفاة الرئيس جمال عبدالناصر.. وقال فى حديثٍ شهير لقناة الجزيرة.. إن السادات كان وراء وفاة عبدالناصر بوضع السُّم له. روى الأستاذ فى ذلك مشهداً سينمائياً بارعاً: «لاحظ السادات انفعال عبدالناصر.. فقال له: يا ريس انت محتاج فنجان قهوة، وأنا أعمله لك بإيدى.. وبالفعل دخل السادات المطبخ المرفق بالجناح، وعمل فنجان القهوة.. لكنه أَخْرَجَ (محمد داوود) المسؤول عن مطبخ الرئيس عبدالناصر.. أخرجه السادات وعمل فنجان القهوة، وجابه بنفسه قدَّامى.. وشربه عبدالناصر». (4) هكذا يريد «الأستاذ» أن يتهم السادات بقتل عبدالناصر، ولأنه يدرك احتمالات المساءلة الجنائية لذلك.. قام بترميم روايته بعبارات احتمالية وضبابية.. من نوع: «لا يجب اتهام السادات بأنه وَضَعَ السُّم فى القهوة بهذه البساطة.. وذلك لأسباب إنسانية.. وأخلاقية وعاطفية وعملية».. «رحل عبدالناصر بشكل طبيعى أو قُتِل.. فقد انتهت حلقة من التاريخ». هكذا وَضَعَ الأستاذ هيكل الرئيس السادات بين احتمالين لا ثالث لهما: إمَّا أنَّه مجرم.. أوْ أنَّه متهم! (5) كمْ هى رديئةٌ هذه الرواية.. أولاً: ثمة غرابة شديدة فى أن يترك «نائب الرئيس» رئيس البلاد فى ظروف إقليمية عصيبة ليعمل له فنجان القهوة بنفسه.. ويقبل الرئيس ذلك.. باعتبار أن كل مهام «نائب الرئيس» هى الحفاظ على أعصاب الرئيس! ثانياً.. إذا أراد نائب الرئيس التبسُّط الشديد.. فما الداعى لأن يطلب من مسؤول المطبخ أن يغادر.. ذلك أن المنطق هو أن يبقى لكى يساعد! ثالثاً.. كيف يعتبر «الأستاذ» أن اتهام الرئيس السادات بقتل الرئيس عبدالناصر.. بعد كل هذا اللغط مجرد موضوعٍ عابر.. «رحل بشكل طبيعى أو قُتِل».. لا يهم! رابعاً.. لماذا لم يقم الأستاذ هيكل بإبلاغ النائب العام بشكوكه بشأن اتهام السادات.. لتتولى النيابة العامة التحقيق فى واقعة فنجان القهوة.. ألا يُعدُّ صمت «الأستاذ» كل هذه السنوات تواطؤاً على جريمة.. وتَسَتُّراً على متهم؟! خامساً.. إذا لم يكن بمقدور الأستاذ فعل ذلك- لأىِّ سبب- فلماذا وقف مع الرئيس السادات فى معركته مع رجال الرئيس عبدالناصر.. ثم فى إدارة حملته الانتخابية، ثم فى تعظيم وتبجيل السادات، وصياغة صورة «الزعيم المُلهِم» بدلاً من «الزعيم المتهم»! (6) حين أذَاعَ الأستاذ هيكل هذه الاتهامات قبل سنوات.. قمتُ بنقده فى برنامجى «الطبعة الأولى».. وكان أن اتصل بى الدكتور «الصاوى حبيب» الطبيب الخاص للرئيس عبدالناصر.. والذى نفى تماماً رواية هيكل.. ونفى كل روايات مقتل الرئيس عبدالناصر.. وقَطَعَ– علمياً– بالوفاة الطبيعية للرئيس. وقال طبيب الرئيس إنه ذهب بعد وفاته إلى الأستاذ هيكل فى الأهرام، وجلس معه ساعتين.. روى فيهما كل التفاصيل.. وكان ذلك بحضور الدكتور «زكى الرملى».. وقد كتب الأستاذ هيكل مقالين فى الأهرام بناءً على حديث «الساعتين».. المقال الأول بعنوان «ملحمة الصراع مع الألم»، والمقال الثانى بعنوان «الأربع والعشرون ساعة الأخيرة». لم يُشكِّك الأستاذ هيكل نهائياً فى وفاة الرئيس عبدالناصر.. وعَرَضَ تفاصيل الأيام الأخيرة.. وقال إن أسباب الوفاة كانت واضحة تماماً.. لهُ وللأطباء وللرئيس عبدالناصر نفسه.. وأنه لا شكوك على الإطلاق.. ولم يذكر الأستاذ هيكل «حرفاً واحداً» عن قصة فنجان القهوة. يقول «الأستاذ»: «كان يجب أن أكون أول مُستَسْلِم لحقيقة وفاة عبدالناصر.. لأنى عِشْتُها من البداية إلى النهاية.. وكنتُ شاهداً على ملحمته الرائعة مع الألم». (7) ثمة نماذج عديدة لذلك التناقض الهيكلى.. ويبدو الأستاذ فى أحايين كثيرة وكأنه ينسخ بعضه بعضاً، ويمضى وراء ماضيه بماسحة كبيرة.. دون أن يتصور أن وراءه من يمكنهم البحث والدرس، وتقييم ما يكون بما قد كان.. وقياس ما يطرح ويرى لما سبق أن طرح ورأى. ولو أن الأمر كان تطوراً فى الفكر أو نضجاً فى التحليل، أو تجديداً فى الاجتهاد.. لكان أمراً محموداً.. فتلك من طبائع الفكر وفلسفة التقدم. ولكن الحادث.. هو ارتباك فى الشهادة، واضطراب فى الرواية، وخلط للأوراق والأشخاص والأحداث. إن «هيكل الأهرام» ضدّ «هيكل الشاشة».. و«هيكل السادات» ضدّ «هيكل الجزيرة».. وفى قولةٍ واحدةٍ «هيكل ضدّ هيكل»