"الجار قبل الدار" تلك المقولة الخالدة التي حفظناها ثم أهملناها.. و من علامات الإهمال تدني الحس الاجتماعي بأن لا يسأل أحدنا عن جاره ..إنّه من العجز والسلبية والانغلاق على النفس أن تعم القطيعة الاجتماعية القاتلة..فلا يحس الجار بحال جاره .. لا بسعادته ولا بآلامه ولا بمصائبه ..وكأن الدنيا تتجه نحو الفردانية والأنانية ..فتكاد عُرى التضامن والتعاضد الاجتماعي تختفي لتحل محلها القطيعة والانعزال القاتل وليواجه كل واحد مصيره فرحا أم قرحا ..إنّ التضامن بين الناس والتعامل الإيجابي بينهم هو من الرقي الحضاري والإنساني الذي يجب أن يعود لمجتمعاتنا حتى تصنع الحيوية اللازمة لمواجهة الأزمات .. وحتى يرجع الحس الاجتماعي الإيجابي لَزَم أن تَعنَى مناهج التعليم بخُلق الجوار والعشرة الطيبة والإحساس الجماعي بين الناس.. وواجب أن يُعين بعضهم بعضا في الأفراح والأتراح فيعين الفقير الغني ..ويتلاحم الجميع على قلب رجل واحد وتلك طبيعة البشر على مدى الأزمان. ••••• من سلبيات التكنولوجيا وشبكات التواصل أن يفقد الناس طبيعتهم في التواصل الطبيعي مع الأهل والأصدقاء والأحباب فتصبح التهنئة بالأساماس والتحيات والتهاني في الفايس بوك والتغافر عبر تويتر ..فتصاب العلاقات الاجتماعية بالجمود والانفصام والسلبية.. وننحشر جميعا في العالم الافتراضي الذي يقضي على إنسانيتنا وتعاملنا الطبيعي الحيوي المطلوب ..إذ لا فرار للإنسان من أن يتعامل مع الواقع كما هو فيؤثرفيه ويتأثر به ..ولا مناص للإنسان من ملاقاة أهله وأحبابه والجلوس معهم وأداء الواجب الاجتماعي على أكمل وجه كي يحس بالانتماء والقرب والتلاحم والشعور الجماعي الحقيقي المبني على الواقع والحقيقة وليس على الخيال والافتراض والعزلة القاتلة. ••••• البيوت ليست ثكنات عسكرية ولا مؤسسات إدارية ..قانون وأوامر وطاعة وقرارات وعقوبات وضوابط..البيوت دفء ومحبة وأُلفة وحوار وتسامح ومرافقة حسنة ..البيوت سعادة وشعور عائلي مليء بالقرب ..الأب كما الأم كما الأولاد كما الجدة والجد كعناصر لخلية الأسرة الصغيرة أو الكبيرة تحكمهم علاقات المودة وأواصر التقارب والتحابب ..ومهما بلغت الخلافات والمشكلات بين أفراد البيت الواحد تبقى أخلاقيات البيت والعائلة من تَفَهم واحترام وتقدير وخفض الجناح وسِتر عيوب هي المسطرة واللحمة التي تحمي الأسرة من الضياع والهلاك..ومن الظلم اليوم أن تفقد أسرنا تقاليدها وبخاصة الروابط المتينة بين أفرادها فتلجأ إلى الفضائح و إفشاء الأسرار .. وإلى شاشات التلفزيون وأروقة المحاكم وتعيش الضياع الاجتماعي والشروخ القاتلة والمدمرة للمجتمع فيصبح الأخ يقاضي الأخ والإبن يقاضي الأب والزوجة تقاضي الزوج وندخل في دوامة قطع الأرحام وتدمير البيوت وما تلك سيرتنا الأولى التي تعلمناها وأَلِفْناها. elyazid-guenifi كاتب جزائري...