على عكس ما كان متوقعًا من أن تمثل الزيارة الأخيرة للجنة المجلس القومي لحقوق الإنسان تخفيفًا لحملة الانتهاكات المتصاعدة بحق المعتقلين السياسيين، ارتفعت وتيرة الانتقادات الحقوقية والأهلية لسجن العقرب (شديد الحراسة بطرة). وفيما لم تسلم إدارة السجن من اتهامات بممارسة "التعذيب ومنع الزيارة والإهمال الطبي"، بحق السجناء، اتهمها ذوو المعتقلين بتحويل أماناتهم لذويهم لحصالة أموال يستولي عليها كبار الضباط والأمناء. المتحدثة باسم رابطة أسر المعتقلين بسجن العقرب، آية علاء الدين حسني، قالت إن "الأموال التي يضعها ذوو المعتقلين بالعقرب، ليصرف منها السجين على شراء احتياجاته، لا تكفيه نظرًا لارتفاع الأسعار بأشكال خيالية". وأضافت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "أسعار الأطعمة داخل كافيتريا السجن خيالية"، مشيرة إلى أن "البرتقالة الواحدة تباع ب 3جنيهات، والوجبة الصغيرة تقدر ب 40: 60 جنيهًا، بخلاف الحاجات التي لايعرف أسر المعتقلين أسعارها". وأوضحت أنها قبل زيارتها الأخيرة بعد شهرين تقريبًا من رؤية زوجها الصحفي حسن القباني، كانت واضعة له 3000 جنيه، إلا أن زوجها طلب منها المزيد بسبب الأسعار العالية". وحذرت من أوضاع أسر المعتقلين الذين لا عائل لهم، ولديهم أكثر من فرد معتقل بالعقرب، أو في سجون أخرى. وقالت إن "أكثر من مرة ترى أهالي أحد المعتقلين بالعقرب يضع 200 جنيه، ومرة رأت سيدة وضعت "أموال فكة" متنوعة ما بين الخمسة والعشرة جنيهات، بما يقدر ب 155 جنيهًا، كان منظرها مؤلمًا وهي تعدهم بالورقة، وجاءت أخرى وأعطتها 400 جنيه أخذتهم بعد محايلة ورفض قاطع بعزة نفس، رأيت في عينيها الانكسار والقهر"، بحسب روايتها. وتابعت: " إحدى الأخوات تحكى أنها قرأت فى كشف الأمانات الذي قبلها أن أحد حاطط (وضع) 60 جنيه، متخيلين 60 جنيه دول يعملوا ايه فى العقرب.. ولا حاجة... يوم بالعافية". وأكملت: " تفضل الأخت من دول تحوش (تجمع) فى فلوس الأمانات دي شهور.. أو تعملها جمعية.. ويا ريتها تكفي.. بالميت كدا يوم المعتقل العقرب لا يقل عن 100 جنيه.. يعنى 3000 شهريًا... فرد واحد فى الأسرة.. حد يكلمني عن باقي أفراد الأسرة... لا موضع لهم فى الإعراب خلاص". وفي ظروف كهذا، يعيش معتقلو "العقرب" حياة تشبه مأساة أهالي "مضايا" بسوريا والذين دفعهم الحصار لشراء كيلو الأرز ب 100دولار، فأسعار الطعام داخل السجن تصل إلى أرقام قياسية تفوق الأسعار ربما في أرقى المطاعم المصرية، وهم مضطرون إلى ذلك، خاصة في ظل رداءة طعام السجن الذي يصرف لهم. فيقومون بشراء البرتقالة بثلاثة جنيهات، عبر أماناتهم التي يقوم أهلهم وذووهم بوضعها في إدارة السجن والتي تترجمها سلع بعد ذلك في صورة تفوق عالم الخيال. وقال ذوو معتقلين ب "العقرب" ل "المصريون"، إن الزيارة المسموح لهم بها لاتتجاوز عشر دقائق من داخل القفص الزجاجي وسط حراسة أمنية مشددة. وأضافوا أنه لا يسمح لهم إلا بدخول وجبة قليلة للغاية لا تتجاوز ربع دجاجة أو سمكة واحدة وقليل من الأرز، كما يسمح لهم بدخول برتقالة أو برتقالتين كحد أقصى للنزلاء داخل السجن الذين يعانون من أمراض مزمنة تحتاج إلى أضعاف ما يتم السماح به من الطعام. كما لا يتم السماح بدخول الأدوية مباشرة إلا عن طريق عيادة السجن؛ وهي عملية معقدة بسبب الروتين الإداري لإدارة السجن، مما يتسبب في ازدياد معاناة المرضي، بالإضافة إلى عدم السماح بدخول المنظفات مطلقا للسجناء، حيث يتم شراؤها عبر "كانتين السجن" بأسعار فلكية. ويحاول نزلاء السجن التغلب علي مأساة الجوع والطعام القليل الذي يسمح به في الزيارة، وذلك عبر شراء أطعمة من داخل "كانتين السجن" لسد الجوع الذي بات من لوازمهم على مدار العامين الماضيين. وأكد النزلاء لذويهم أن سعر البرتقالة الواحدة يصل إلى 3جنيهات، فيما يصل سعر الوجبة إلى 60جنيهًا وهي عبارة عن "ورك فرخة" وبعض الأرز، أو سمكة واحدة ومعها قليل من الأرز. وأضافوا أنه لايسمح لهم بالتريض داخل السجن سوى ساعة واحدة، حيث يبقى السجين داخل زنزانة خراسانية لمدة 23ساعة يوميًا محرومًا من التهوية والتدفئة. كما يعاني نزلاء "إتش 3 وإتش 4" – مسميات لعنابر العقرب- من معاملة قاسية جدًا، حيث يتم قطع الكهرباء عنهم لأوقات طويلة، بالإضافة إلى انقطاع المياه أيضًا مما يتسبب في زيادة المرض والمعاناة داخل الزنازين والتي تحوّلت لأداة للقتل البطيء داخل السجن. ويشكو نزلاء عنبر الإعدامات داخل السجن من معاملة غير آدمية، حيث يتم منع الطعام عنهم تمامًا وعزلهم عن باقي عنابر السجن، بعد أن تحول إلى سجن خاص داخل سجن العقرب. وأضاف أهالي المعتقلين، أن السماح بدخول "أسرّة" للسجناء ليس عامًا لكل الأفراد، بل هي حالات خاصة داخل بعض العنابر. فيما يحاول الأهالي القيام بزيارات جماعية لكل نزلاء عنبر في محاولة لإدخال كمية من الطعام لاستنقاذ أبناءهم وأزواجهم من سياسة التجويع المستمر والتي تجاوزت العامين. وبالتزامن مع حملة تضامنية مع سجن العقرب بعنوان "الدفء للمساجين"، والتي انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي، زار وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان، السجن ذاته قبل أيام، إلا أن أغلب المساجين المتضررين من إجراءات السجن، رفضوا مقابلة أعضاء الوفد، لعدم اعترافهم بالسلطات الحاكمة والمؤسسات والمجالس المنبثقة عنها، بحسب ذويهم. وطالبت حملة "الدفء للمساجين"، إدارات السجون بالسماح لهم بإدخال احتياجاتهم من الملابس الشتوية والأغطية والأدوية اللازمة لمقاومة الانخفاض الشديد في درجات الحرارة والارتفاع الحاد في نسبة الرطوبة داخل السجون. وأشارت الحملة إلى أن محاولاتها التي باءت بالفشل في إدخال الملابس والأغطية لذويهم، قائلة: "قام أهالي السجناء ووكلاؤهم من المحامين بمختلف أشكال المحاولات الرسمية وغير الرسمية بإدخال الملابس الشتوية والأغطية الثقيلة والأدوية لهم، والتي تعد احتياجات ضرورية ومُلحّة من أجل الحفاظ على صحتهم، بل وحياتهم في بعض الأحيان، إلا أنه وللأسف باءت المحاولات كافة بالفشل أمام رفض وتعنّت إدارات بعض السجون المختلفة، خاصة في سجون منطقة طرة (ملحق مزرعة طرة، العقرب 1، العقرب 2) بالإضافة إلى منطقة سجون برج العرب ووادي النطرون". ولفتت في بيانها إلى أن العديد من السجناء يعانون من أمراض حادة ومزمنة تهدد سلامتهم، منهم النساء والشيوخ والأطفال، وبأنهم يعيشون في بيئة صحية سيئة للغاية. وقالت الناشطة سلمى أشرف، مسئولة الملف الحقوقي في منظمة "هيومن رايتس مونيتور"، في تصريحات ل"المصريون"، إن المنظمة تتلقى من أهالي المعتقلين شكاوى مفصلة عن التعذيب الذي تعرض له ذووهم، وتصلنا أخبار من داخل السجن بسوء المعاملة والحرمان من الطعام لأيام متتالية، والمنع من الدواء، والزيارة، والكثير من الانتهاكات، فكيف تكون ظروف السجن جيدة!". واستنكرت أشرف "سماح السلطات المصرية للمجلس القومي المصري بدخول السجون، وحرمان باقي المنظمات الحقوقية، ولجان تقصي الحقائق الدولية من دخولها". وأكدت أن "ضحايا العقرب كثيرون جدًا، وتختلف أنواع الانتهاكات التي يتعرضون لها داخل السجن، ولا توجد إحصائيات معلنة عن عدد من فيه من سجناء سياسيين أو معتقلي رأي، حتى يتم حصرهم نظرًا لعدم السماح بزيارة السجن". وبحسب تقارير حقوقية ظهرت في الفترة الأخيرة، كانت أبرز شكاوى ذوي السجناء بشأن التضييق داخل "العقرب"، هي "منع دخول الأدوية، ومنع الزيارات، ومنع دخول الأطعمة، بجانب إلغاء الزيارات الأسبوعية، والاستثنائية الخاصة بالعطلات الرسمية، والأعياد، وتقصير مدة الزيارة لدقيقة واحدة، وجعلها من خلف الحاجز الزجاجي، ومنع السجناء من الاتصال المباشر بالمصافحة لزوجاتهم وأولادهم وآبائهم، وتضمنت الشكاوى التي وردت مؤخرًا للمجلس، منع الزيارة نهائيًا لأسر السجناء".