انقلاب مفاجئ في رؤية الإعلام لتوقيع السيسي على اتفاقية السد مع إثيوبيا صمت رسمي بعد الفشل.. وخبراء: السيسي مسئول عن فشل المفاوضات أو نجاحها انبطاح مصري رسمي أمام الصخرة الإثيوبية واعتراف بفشل المفاوضات الفنية علميًا وعمليًا.. «السودان».. الرابح الوحيد من وجود السد دون خسائر هذه الأسباب تجعل مصر تُصر على وجود سد النهضة وتحميه وثيقة إثيوبية مسربة تُحذر من خطورة السد على مصر كيف يُمكن لمصر أن تستفيد من بناء السد.. وتحول الصراع على الماء إلى تعاون مثمر؟! 6 مليارات متر مكعب تقتسمها مصر والسودان كغنيمة لبناء السد
شهور قليلة مضت قبل انطفاء سعادة المصريين بتوقيع اتفاقية المبادئ مع إثيوبيا فى مارس الماضي بخصوص سد النهضة، فبعد أن انتفض جموع المصريين فرحًا وسرورًا ظنًا منهم أن توقيع الرئيس السيسي على الاتفاقية يعنى "انتهاء الأزمة" بشكلٍ كامل، غير أن الأيام أثبتت عكس ذلك وبدا واضحًا أن مصر "تورطت" فى التوقيع على الاتفاقية، وبدأ الشك يتسرب إلى قلوب المصريين حتى أتضح مؤخرًا أن مصر وقعت بالفعل فريسة داخل الشبكة الإثيوبية. وفى أكثر من تقرير لها، تنبأت جريدة «المصريون» بفشل المفاوضات الفنية التي تُجريها الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، ونشرت أكثر من ملف وتقرير بخصوص هذا الأمر، ولاسيما بعد توريط السيسي فى التوقيع على الاتفاقية التي تنص فى مجملها على اعتراف مصر بوجود السد الإثيوبي كأمر واقع فى مقابل «خدعة إثيوبية» فى إدارة السد.
ومرة أخرى تنشر «المصريون» دليلاً إرشاديًا للحكومة، يجب أن تسير عليه لتحويل سد النهضة الإثيوبي من كارثة إلى مصدر رخاء وتنمية لمصر، وتجعل تلك المبادئ من سد النهضة حلمًا لجميع المصريين يتشوقون لاكتمال بنائه بعد أن كان كابوسًا مزعجًا يٌقض مضاجع المسئولين طوال 4 سنوات. التوقيع فى مارس الماضي، ذهب وزير الري المصري، حسام مغازي، والرئيس السيسي إلى إثيوبيا بهدف التوقيع على الاتفاقية وأقنعه وزير الري بأن هذه الاتفاقية فى صالح مصر، رغم تحذيرات متتالية بأن اتفاقية المبادئ تتضمن بنودًا "ملتوية" وضعتها إثيوبيا داخل الاتفاقية وصممت على وجودها بهدف أساسي وهو "ليّ" عنق مصر فيما بعد. أول اعتراف كانت اتفاقية المبادئ فى مارس الماضي بمثابة "أول اعتراف مصري بالسد الإثيوبي"، ورغم أن الإعلام المصري حينها روج بأن الاتفاقية فى صالح مصر، إلا أنه عاد هذه الأيام ليُلقى بالحمل بأكمله على وزير الري، حسام مغازي، محملاً إياه المسئولية عن فشل المفاوضات مؤكدًا فى الوقت ذاته أن "الرئيس السيسي فى منأى عن المسئولية وذلك لأن المفاوضات جميعها كانت فنية وهى من اختصاص وزير الري". تحذير وخوف ورغم أن الجانب المصري –أثناء توقيعه على الاتفاقية– اعتمد على النوايا الحسنة، حذر الخبير والمتخصص فى المياه، الدكتور نادر نور الدين، من "فخ إثيوبي محكم"، وقال أن الاتفاقية التي وقعتها مصر ستضر بموقفها التفاوضي وتلقى بالكرة فى الملعب الإثيوبي.
وبالفعل صدق الخبير المائي، إذ سرعان ما تحولت دفة الأحداث لتُلقى بظلالها على القاهرة، التي أصابها الخمود بعد توهج الفرح والانتصار، فخرجت التصريحات الرسمية لتؤكد أن "هناك تعمدًا إثيوبيًا لعدم إكمال المفاوضات وتطويلها قدر الإمكان بهدف إنجاز بناء السد، الذي انتهت من بناء 48% منه". دوامة من الصمت وفى أثناء توقيع الرئيس السيسي على اتفاقية المبادئ مع نظيريه السوداني والإثيوبي، بدا واضحًا أن الرئيس يشعر بثقة متناهية مما ستؤول إليه نتائج توقيع الاتفاقية ما جعل هذا الشعور ينتقل إلى المواطن المصري عبر الإعلام الرسمي والخاص الذي نقل الصورة وضخمها على أنها انتصار مصري، إلا أن الموقف تغير بشكلٍ كبير عقب فشل المفاوضات الفنية ودخول الأزمة مع إثيوبيا معتركًا دبلوماسيًا، ما جعل الرئيس السيسي يدخل فى دوامة من الصمت خرجت مؤشراتها بتعديل وزاري مرتقب سيتقدم به رئيس الوزراء شريف إسماعيل إلى مجلس النواب الجديد، يتضمن تغيير 8 وزراء من ضمنهم بالتأكيد وزير الري الدكتور حسام مغازي.
الإقالة.. ليست كافية ويقول وزير الري الأسبق، الدكتور نصر الدين علام، إنه يجب محاكمة جميع الفاشلين والمسئولين عن ملف سد النهضة والتوقيع على اتفاقية المبادئ، مؤكدًا أن المفاوضات الأخيرة أصبحت ضعف المفاوض المصري وعدم قدرته على تحمل المسئولية.
واعتبر علام فى تصريح ل«المصريون»، أن تحمل وزير الري الفاتورة بأكملها "ليس عدلاً أيضًا"، لافتًا إلى أن كل مقصر يجب محاكمته، والمسئولون عن إدارة الملف خلال الفترة الماضية كثيرون ولا يمكن شخصنة الأمور، فالمفاوضات لا يختلف أحد أنها فشلت، والرئيس السيسي هو "المسئول" عن من يقودون المفاوضات.
ثغرة وعلى الرغم من أن اتفاقية المبادئ الموقعة فى مارس الماضي، تضمنت 10 بنود جميعها تتحدث عن "حسن النية وتبادل المنفعة والتعاون"، غير أن مصر يُمكنها استخدام فقرة فى المبدأ الأول من الاتفاقية وهى "التعاون على أساس مبادئ القانون الدولي"، حيث يعتبر الكثيرون أن تلك الفقرة هي الوحيدة التي جاءت فى صالح مصر والتي يُمكن أن تلجأ إليها القاهرة حاليًا.
لا بديل!! وفى هذا السياق، قال خبير السدود العالمي، الدكتور أحمد الشناوي، إن مبادئ القانون الدولي تُحتم على إثيوبيا عدم الإضرار بحصة مصر المائية وبالتالي، فإنه يُمكن استخدام هذه الفقرة حينما يتم تدويل القضية رسميًا.
وطالب "الشناوي" فى تصريح خاص ل«المصريون»، بالتدويل الفوري للقضية بغير إبطاء، محذرًا من خطورة تمادى المسئولين الحاليين فى مفاوضات هدفها كسب الرضا والتودد إلى إثيوبيا، قائلاً: لابد من وقف المفاوضات فورًا وتدويل القضية أو ضرب السد ولا بديل.
الهدف وقبل خروج المفاوضات الفنية التي أجريت مؤخرًا فى السودان بالفشل، كان الصمت المصري هو سيد الموقف حيث تيقن المسئولون عن الملف أن هناك مكيدة وخدعة إثيوبيا بعد تهرب إثيوبي متكرر وتعمد إفشال المكاتب الاستشارية وإصرار إثيوبيا على استبدال المكتبين الاستشاريين (الهولندي والفرنسي)، رغم أن الاتفاقية الموقعة مع إثيوبيا نصت على أنه "فى حال اختلاف المكتب الفني يتم اللجوء إلى رأى قانوني ملزم لجميع الأطراف".
ولكن الهدف الإثيوبي واضح وصريح وهو المضي قدمًا فى بناء السد وتسويف المفاوضات حتى الانتهاء منه، حينها يكون السد أمرًا واقعًا ولا يستطيع أحد المساس به، فمعنى التعرض إليه بأي شيء أن "مصر والسودان" أكثر الدول تضرراً وربما تختفي السودان بأكملها ومحافظات بمصر فى حالة انهياره، ويعنى ذلك أن مصر والسودان سيحميان السد ويحفظان على سلامته. المفاوض المصري وقال وزير الري الأسبق، الدكتور نصر الدين علام، إن السبب الرئيسي فى فشل مفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا هو "المفاوض المصري"، معتبرًا أن الانبطاح الذي فعله المسئولون عن الملف أمام الصخرة الإثيوبية كانت نتيجته معروفة منذ البداية وهو "الخزي والفشل"، ما أدى بكل تأكيد إلى ضياع أحلام المواطن المصري الذي يطمح فى شرب الماء والعيش بأمان.
وأوضح علام فى تصريح خاص ل«المصريون»، أن وزير الرى وكل من اشترك فى إدارة الملف مسئولون أمام الشعب، مطالبًا الرئيس باحتواء الأزمة وعلاج المقصرين قبل أن تتحول القضية إلى كارثة حينها سيثور المواطن باحثًا عن شربة ماء. ووصف الوزير الأسبق المفاوضات الحالية مع إثيوبيا بأنها "مضيعة للوقت"، مشيرًا إلى أن التصميم الإثيوبي على المضي قدمًا فى بناء السد بمواصفات "مؤذي" لمصر، وقال إن هذا التصميم فى حد ذاته مؤشر خطير ويحول المفاوضات إلى صراع. تحجيم الإخطبوط من جانبه، اعتبر الدكتور نادر نور الدين، الخبير المائي وأستاذ الزراعة بجامعة القاهرة، أن السبب الأساسي فى فشل المفاوضات هو عدم قدرة وزير الري حسام مغازي على اتخاذ قرار ولو كان بسيطًا، مؤكدًا أن الوزير يرى الخطأ ولكنه غير قادر على التعامل معه ويحتاج إلى غيره ليقوم به. وأشار نور الدين، إلى السياسة التي اعتمدها وزير الموارد المائية والري، حسام مغازي، وقال إنه يُصّدر دائمًا غيره فى المقدمة ليُحمل الآخرون مسئولية فشله". واعتبر أن مصر تخوض حربًا دبلوماسية حاليًا بهدف تحجيم "الإخطبوط" الإثيوبي، الذي تمكن من إحكام سيطرته على المفاوضات الجارية بخصوص السد المعتزم تشييده على النيل الأزرق والذي يحرم القاهرة من 13 مليار متر مكعب مياه، من إجمالي حصتها المقدرة ب 55.5 مليار متر مكعب. وثيقة مسربة بالتزامن مع تلك التصريحات بدأت إثيوبيا تُعلنها صراحة "السد خطر كبير على مصر"، حيث سربت "أديس أبابا" عبر حليفتها السودان دراسة خطيرة عن تأثير السد الإثيوبي على مصر والسد العالي، وقالت إن الدراسة تؤكد وجود خطورة حقيقية على مصر من بناء السد.
وأكد مدير كورس المياه بالمكتب الإقليمي لمنظمة «اليونسكو» بالخرطوم، الدكتور عبد الله عبد السلام، أنه اطلع على دراسة إثيوبية -لم يتم الإعلان عنها- حول تأثيرات سد النهضة على السودان ومصر، واعترفت إثيوبيا خلالها بأن سد النهضة سيُلحق أضرارًا كبيرة بمصر وبالسد العالي.
وأشار المسئول الدولي فى تصريحات نقلتها وسائل إعلام سودانية، إلى أن إثيوبيا تخطط لإقامة عدة سدود أخرى لتوليد الكهرباء، إضافة إلى سد النهضة، ما يُضاعف الخطر على دولتي المصب، خاصة مصر، وقد يؤدى إلى تراجع منسوب المياه فى النيل وفى بحيرة ناصر، وشُح مائى خطير، موضحًا أن إثيوبيا تسعى إلى التحكم الكامل فى مياه النيل الأزرق، ليكون لديها المفتاح لكل متر مكعب مياه يتحرك من أعالي الحبشة إلى السودان ومصر.
وعلق الدكتور نادر نور الدين، الخبير المائي، بقوله إن الخطورة الحقيقية التي يمُثلها السد معروفة وتحدث عنها الخبراء والمتخصصون أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة، والدراسة التي اعترفت فيها إثيوبيا بخطورة السد "ليست جديدة".
وأوضح الخبير المائي، أن الحياة بشتى أنواعها مهددة فى مصر، فنقص المياه الذي سيتسبب فيه السد ليس مقتصرًا على عطش المصريين فقط، بل يمتد أيضًا إلى انقراض زراعات تحتاج إلى مياه كثيرة، إضافة إلى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة نتيجة توقف التوربينات المولدة للكهرباء بالسد العالي، وكل صور الحياة مهددة بالكامل.
كيف تستغل مصر وجود سد النهضة؟
وفى سياق أخر، تنشر «المصريون»، حلولاً للأزمة التي عانت منها مصر لما يقرب من 4 سنوات بدأت فى أعقاب ثورة ال25 من يناير، حينما بدأت إثيوبيا فعليًا بناء السد.
وتتلخص تلك الحلول العلمية والعملية فى رسالة لخبير فى مجال السدود يعمل فى الخارج، وحاصل على درجة الماجستير «تخصص سدود» من كلية الهندسة الفيدرالية السويسرية فى لوزان، ويدعى "إسلام ممدوح"، الذي طالب مصر بعدم الانزعاج من وجود سد النهضة الإثيوبي، مؤكدًا أن السد يُمثل مصدر رخاء كبير لمصر والسودان ويُمكن استغلاله فى فوائد كثيرة لمصر، بدلاً من محاربة بنائه.
صفقة رابحة وقال إسلام أن سد النهضة هو صفقة رابحة للجميع، فإثيوبيا ستحصل على الكهرباء التي تحتاجها للتنمية، السودان سيحميها السد من الفيضان المدمر فى أغسطس وسبتمبر وسيساعدها على إتمام خطتها فى التوسع الزراعي بعد أن ينضبط معدل سريان المياه بالنهر، وستزيد حصتها من المياه بعد توفير هدر الفيضان، فضلاً عن أنها ستحصل على كهرباء بسعر رخيص، أما مصر فلن تنضر بل ستزيد حصتها (نسبتنا من ال6 مليارات متر مكعب الزيادة بعد توفير هدر الفيضان) وسنحصل على كهرباء بسعر رخيص نحن فى أمس الحاجة إليها.
يؤكد «إسلام» أن السد الإثيوبي فى حد ذاته ليس خطرًا على مصر، بل إنه قد يكون مفيداً لنا، ومكمن الخطورة (حال وجودها) هى السودان إن قررت زيادة مساحة الأرض المزروعة بها بشكل يؤثر على حصتنا فى مياه النيل المتفق عليها فى اتفاقية 1959. وأوضح أن سد النهضة الإثيوبي هو سد لتوليد الكهرباء وليس للري حيث إن إثيوبيا لا تعانى من مشكلة ري هى فقط تحتاج للكهرباء للقيام بمشاريع تنموية بها، وتقنيًا لا يمكنها حجز المياه خلف هذا السد (متوسط الحجم) لأنها كى تتمكن من توليد الكهرباء (الهدف من السد أصلاً) يجب أن تمرر المياه حتى تعمل التوربينات فتنتج كهرباء، وعليه الحديث عن منع المياه هو من قبيل العبث. السودان.. أكثر المستفيدين وقال الدكتور إسلام، إن سد النهضة المستفيد الأكبر منه هى السودان، لعدة أسباب، أولها أن السد سوف يمنع الفيضان فى النيل الأزرق، والذي كان يدمر ما يمر به فى السودان فى شهرى أغسطس وسبتمبر. ثانيًا، أن السد سوف يحجز المياه وينظمها، وعليه سوف ينتظم الرى وتسهل الزراعة، ما يساعد على خطة التوسع الزراعى بالسودان حيث المستهدف وفقًا لهذه الخطة زراعة 10ملايين فدان جديد. ثالثًا، سوف تحصل السودان على 30% من كهرباء السد بسعر أقل من السعر العالمي، ولذلك كثير من السودانيين يتحدثون عن سد النهضة المقام على الحدود الإثيوبية السودانية بصفته «السد العالي» السوداني، فلماذا إذن ينزعجون منه أو ينسقوا مع مصر لإيقاف العمل به، كما نتخيل نحن!!. نقاط يجب إتباعها أثناء التفاوض وطالب خبير السدود، مصر بالتركيز على عدة نقاط أثناء عملية التفاوض، وأهمها أن تتعامل مع إثيوبيا على أنها تحكم فى مياه «النيل الأزرق وتضبط إيقاعها وعليه أي فيضان سيحدث هو من فعلها وليس من فعل الله، إذن يجب الاتفاق وتوضيح ذلك بوضوح أن أي فيضان يحدث ستعتبره مصر عملاً عدائيًا تجاهها.
وأضاف: أما السودان فيجب التأكيد على التزام البلدين (مصر، السودان) باتفاقية تقسيم مياه النيل الموقعة سنة 1959 والتي تنص على تقسيم المياه بين مصر والسودان نسبة 3:1 بواقع 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان. وتُقيم إثيوبيا سد النهضة على النيل الأزرق (المورد الأساسي لنهر النيل حيث يمد النيل النهر ب86% من إجمالي مياهه)، وتقول أديس أبابا إن لديها طموح فى توليد طاقة كهرومائية من وراء تشييد السد يُسهم بشكل كبير فى عمليات التنمية بالبلاد ويغطى العجز فى الكهرباء لديها بنسبة 100%، فيما تعترض مصر على إنشاء السد بدعوى أنه يضر بأمنها المائي، ويقف السودان موقف الوسيط الداعم لحق مصر فى التخوف من بناء السد ظاهريًا والمنحاز إلى إثيوبيا باطنيًا.