الديمقراطية نظام اجتماعي وشكل من أشكال الحكم يؤكد على قيمة وحرية الفرد ويحافظ على كرامته الشخصية ويقوم على اساس مشاركة جميع أعضاء الشعب وبدون تمييز بسبب الأصل أو الجنس أو العقيدة أو العرق في عملية اتخاذ القرار واختيار ممثليه وكافة المسئولين في الإدارة التنفيذية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وهناك العديد من أنواع الديمقراطيات التي يتم تطبيقها، ولكن في جميع الأحوال يظل الشعب هو مصدر السلطات، وهو الذي يختار رأس السلطة التنفيذية ويختار ممثليه في السلطة التشريعية ليقوموا بوضع القوانين التي تقوم السلطة القضائية بوضعها موضع التنفيذ، كما تقوم السلطة التشريعية بمراقبة السلطة التنفيذية، وفي نهاية الأمر فإن كافة السلطات مرجعها إلى الشعب فهو الأصل وهو الأساس الذي من أجله يتم وضع القوانين والتشريعات. كانت البداية التاريخية للديمقراطية كما يقول البريطاني جون دن (John Dunn)- أستاذ العلوم السياسية هو أمر شبيه بالديمقراطية الحديثة إلى حد كبير مع صعود كليسثينيس (Kleisthenes) إلى كرسى السلطة في أثينا منذ 2500 عام، والتي يزعم بعض المؤرخين أنها كانت لمصلحته الشخصية. وعلى الرغم من أن كافة المؤرخين يقولون بأن بدايات الديمقراطية كانت في أثينا، فإنها كانت ديمقراطية قاصرة على النخبة من ملاك الأراضي والنبلاء، وكانت تقوم باقصاء العبيد والنساء وحتى الرجال من غير ذوي الأملاك. وحتى الديكتاتوريات القمعية في العصر الحديث تلجأ إلى الانتخابات لتضفى على نفسها مظهر شرعية لا تستحقها، كما أنه وللأسف الشديد لجأت الكثير من الديمقراطيات الغربية إلى مساندة أنظمة ديكتاتورية قائمة والتغاضى عن الفظائع التي ترتكبها، بل والقيام بالإطاحة بحكومات منتخبة ديمقراطيًا كما حدث لحكومة مصدق في إيران (19 أغسطس عام 1953) والسلفادور الليندي في شيلي (11سبتمبر, 1973). وبينما لحقت قلة من الدول الإسلامية حول العالم بقوارب النجاة والاستقرار عن طريق تطبيق الديمقراطية وحققت تقدمًا على كافة الأصعدة مثل ماليزيا وتركيا وحتى إيران فإن معظم الدول العربية والإسلامية لا تزال تغوص في أوحال الديكتاتورية ونظم مختلفة من ألوان الحكم الفاشستي التي لا تتمتع بأي قدر من الحرية ناهيك عن انتهاك حقوق الإنسان بأساليب مروعة. ومع كل ذلك ظلت المنطقة العربية عصية على التغيير حتى جاءت موجة الربيع العربي في عام 2010- ولكنها كانت موجات (مُوجّهة إلى حد كبير) وأنتهت معظمها نهايات مآسأوية، وكانت تستهدف ازاحة قيادات وإحلال أخرى محلها وتم فيها استخدام وسائل الإعلام أسوأ استغلال لتأجيج مشاعر المواطنين وإثارة مشاعر الغضب لدى شعوب المنطقة نتيجة للظلم والاستغلال. وكانت الدول الغربية، سواء أمريكا أو بريطانيا وفرنسا تفضل الابقاء على نظم استبدادية عفنة في مصر وغيرها من الدول العربية تحت حجج واهية، والخوف من تنامي الإسلاميين وصعودهم إلى السلطة, وكان حسني مبارك في مصر، والذي استمر ما يقرب من ثلاثة عقود على كرسي السلطة، وكان يقوم بتقديم نفسه وكأنه السياج الواقي ضد صعود الإسلاميين إلى السلطة وحدوث حالة من الفوضى. بل وحاول أن يقوم بتسويق وضع نجله على كرسي السلطة، وكانت الخطوات التمهيدية لذلك تسير على قدم وساق بواسطة مهندسي مبارك وأذرعه في مختلف مؤسسات الدولة. ولكن يبدو أن ذلك لم يكن مقبولا على الإطلاق من القوى المؤثرة وراء الستار سواء في مصر أو الخارج، فضلا عن انعدام اي نوع من القبول الشعبي لشخصيته الباهتة، وإن كان الأمر الأخير لا أهمية له بالنسبة لمبارك على الأقل. وعلى الرغم من حديث حكومة بوش من أنها غير قلقة من انتخاب حكومة إسلامية ما دامت منتخبة بطريقة ديمقراطية حقيقية، فقد تراجعت الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الغرب عن ذلك بعدها لأسباب غامضة حتى الآن عندما صعدت هذه القوى إلى السلطة في كل من تونس ومصر. وقد ذكرت مجلة الإيكونومست البريطانية في عددها الصادر يوم 28 فبراير عام 2014 أن الديمقراطية هي الطريق الأفضل: 1- أن الدول الديمقراطية في المتوسط هي الأكثر ثراءً عن الدول غير الديمقراطية. 2- أن الدول الديمقراطية أقل احتمالا لمحاولات جرها لخوض الحروب. 3- أن الدول الديمقراطية لديها سجل أفضل في محاربة الفساد. 4- والأكثر أهمية من كل هذا، أن النظم الديمقراطية تسمح لشعوبها بأن تقوم بالتعبير عن آرائها بحرية أكبر، وتسمح لهم بالمشاركة في تحديد مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم. وامتدحت المجلة المذكورة الديمقراطية – وعن حق – وقالت أنها أكثر الأفكار السياسية نجاحًا في القرن العشرين، ولكنها تساءلت بعد هذا العنوان: ما الخطأ الذي حدث بالنسبة للديمقراطية؟ لقد كانت الديمقراطية هي الفكرة الأكثر نجاحًا في القرن العشرين، ولكن لماذا تواجه المتاعب، وما الذي يمكن أن نفعله لتزدهر الديمقراطية من جديد؟ وتحكي المجلة قصة صعود وإنهيار التحول الديمقراطي حول العالم في القرن الحادي والعشرين. وتقول المجلة إنه فيما بين عامي 1980 ، 2000 واجهت الديمقراطية القليل من المتاعب، ولكنها منذ بداية القرن الحادي والعشرين واجهت العديد من العراقيل. فقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين – على حد قول المجلة أيضًا – بزوغ نجم الديمقراطية في ألمانيا التي كانت قد عصفت بها النازية، ثم الهند. وتبعتها جنوب إفريقيا في سنوات التسعينيات بزعامة نيلسون مانديلا الذي أدار الفترة الانتقالية بحكمة وبراعة فائقة. وحذت حذوها تلك الدول التي تحررت من نير الإستعمار في إفريقيا وآسيا. كما أفسحت الأنظمة الاستبدادية المجال لتطبيق الديمقراطية في اليونان (عام 1974)، واسبانيا (عام 1975)، والأرجنتين (عام 1983)، والبرازيل (عام 1985)، وشيلي (عام 1989). كما أدى تفكك الإتحاد السوفيتي السابق إلى ظهور العديد من الديمقراطيات الناشئة في وسط أوروبا. واقتبست المجلة عن فريدوم هاوس (وهي مؤسسة بحثية أمريكية)، أنه بحلول عام 2000 أصبح يتم تصنيف ما يقرب من 63% من دول العالم (أو 120 دولة على وجه التحديد)، على أنها دول ديمقراطية. وتقول إن هذا التقدم الذي حدث في آواخر القرن العشرين حدثت له انتكاسة في بدايات القرن الحادي والعشرين في كل من كييف والقاهرة وبعد فترة قصيرة فقط ولأسباب عديدة. ويمكنني أن أضيف إليهم تونس التي لا تزال تتأرجح بين الإستقرار ووجود بعض مظاهر القلاقل، ثم تجربة اليمن الأليمة، وتجربة ليبيا التي تم وأدها قبل أن تبدأ. وربما تبقى سنوات طويلة قبل أن تستقر البشرية على مرفأ الديمقراطية وتنعم بالراحة والهدوء وتترك خلفها قرونًا طويلة من الحروب المهلكة وصنوف المعاناة، ولكن الأمر يستحق بكل تأكيد أن يناضل الجميع في كل أنحاء العالم من أجل هذا المبدأ الجميل. ولا يغرب عن البال أن هذا الأمر ليس بالسهولة التي تبدو عليها، فهناك المصالح الاقتصادية، وهناك تجار الحروب ودعاة الكراهية والعنصرية في كل مكان على الأرض، وهم قوة لها ثقلها ووزنها في أروقة اصحاب القرار في الشرق والغرب على حد سواء. هذه مقدمة عامة لمجموعة من المقالات التي أود أن أكتبها تباعًا عن الديمقراطية وتطورها ومع التركيز على الحقبة منذ منتصف القرن العشرين وحتى الوقت الحالي، وسوف أعرض بعض التجارب الديمقراطية في الشرق والغرب إن كان في العمر بقية بإذن الله.