تدهشنى الجدية التى يتحدث بها المجلس الاستشارى حول تقليص انتخابات مجلس الشورى إلى مرحلتين بدلا من ثلاث مراحل لتقليل الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية والإسراع بانتخابات رئاسة الجمهورية. أما الذى لم يدهشنى فهو المواطن البسيط الذى سألته قناة النيل للأخبار عن رأيه فى انتخابات الشورى، هل تجرى على مرحلتين أم ثلاث فقال: لا حاجة لنا فى مجلس الشورى من الأساس.. وحرام نضيع وقتنا وجهدنا وفلوسنا على مجلس لا فائدة منه. كيف لمس المواطن البسيط كبد الحقيقة ووصل إليها بسرعة بينما المجلس الاستشارى لم ينتبه إليها ولم يتوقف عندها.. مع أنه المطالب بالاستشارة والمستشار مؤتمن؟! هذه الحقيقة نعرفها جميعًا.. فمجلس الشورى لم يكن له دور فى الحياة السياسية يشكر عليه.. بل كان مجرد ديكور ضمن ديكورات كثيرة لاستكمال الشكل الديمقراطى المزيف.. وقد كان واجبًا أن نتخلص من هذا المجلس فى أعقاب الثورة مباشرة، وأن يلغى وجوده من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 من مارس الماضى، لكن الفرصة مازالت قائمة.. ومن الممكن إصدار تعديل دستورى بإلغاء أية اختصاصات أو مسئوليات لمجلس الشورى وإسنادها إلى مجلس الشعب وحده حتى تكون له صلاحيات التشريع والرقابة على أداء الحكومة وانتخاب الجمعية التأسيسية المختصة بوضع الدستور الجديد. نحن مطالبون الآن بأن نعيد النظر– وبكل جدية – فى وجود الكثير من المؤسسات والمراكز والمجالس التى أنشئت لتكون ديكورات للديمقراطية الزائفة، وأنفق عليها ببذخ من ميزانية الدولة بدعوى أنها تعمل لتعميق الحرية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، بينما هى فى الحقيقة ضد الديمقراطية والحرية ولم تقدم لهما شيئاً، بل كانت عبئاً ثقيلا على الممارسة السياسية. وبحسبة بسيطة فإن الأموال التى تنفق على هذه الديكورات الديمقراطية الزائفة كفيلة بأن تساهم فى تطوير التعليم وتحسين الرعاية الصحية وتشغيل مصانعنا المتوقفة، أو أن تساهم فى حل مشكلة الإسكان، وفى أقل تقدير يمكن أن تساعد فى تقديم أجر عادل لهؤلاء الذين تتدنى دخولهم حتى يصلوا إلى الحد الأدنى للأجور الذى قررته الحكومة بدلا من إهدار المال العام فى مظهريات كاذبة لا تفيد. وبالطبع يأتى مجلس الشورى على رأس قائمة هذه الديكورات الزائفة، فقد أثبتت التجارب أن هذا المجلس ليس أكثر من تجمع للمحظوظين والمرضى عنهم.. وكثيرًا ما استخدم كجزرة فى يد النظام يغرى بها المشتاقين للمال والسلطة وليس مطلوبًا منهم أكثر من أن يكذبوا ويكذبوا ويتكلموا حتى النهاية.. ثم ترفع تقاريرهم إلى من لا يقرأ ولا يهتم، ليس فى حياتنا السياسية الجديدة متسع لهذا الزيف.. وليس فى ميزانيتنا متسع لهذا الترف.. يكفينا مجلس الشعب لو قام بدوره التشريعى والرقابى على الوجه الأكمل ولنوفر أموالنا ومخصصات الشورى لما ينفع الناس.. ونستغل الوقت الذى سيعطى لانتخاباته فى الإعداد بشكل جاد وسريع للدستور الجديد فور انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب. أتمنى أن تبدأ القوى السياسية الفاعلة حوارًا سريعا مع المجلس الاستشارى والمجلس العسكرى لإلغاء مجلس الشورى حتى نعطى إشارة بأن النظام الجديد ليس فى حاجة إلى ديكورات زائفة ولا يهتم بالشكليات.. ولن ينفق مليما واحدا إلا فى موضعه الصحيح.. أضف إلى ذلك أن غياب هذا المجلس سوف يمنع رئيس الجمهورية القادم من أن يلعب على الحبلين، أو يستخدمه كمحلل وبديل لمجلس الشعب إذا ما اصطدم به، وأن يقدمه على أنه مجلس الحكماء أو مجلس الشيوخ.. لينتقص من دور ومكانة البرلمان الحقيقى. وما يقال عن مجلس الشورى يقال أيضًا عن المجلس الأعلى للصحافة الذى لن يكون له دور فى المرحلة الديمقراطية، فالصحافة الحرة لن تحتاج إليه.. ويجب أن تنتقل صلاحياته واختصاصاته على نقابة الصحفيين، كما أن الصحافة القومية لابد أن تدخل عصرًا جديدا، وتأخذ شكلا جديدا وتطور نفسها إذا أريد لها أن تستمر.. ومن الممكن أن تنتقل ملكية هذه الصحف القومية إلى العاملين فيها بنظام الأسهم.. وفى كل الأحوال لن تكون هناك حاجة إلى مجلس أعلى أو أدنى للصحافة، وتسقط كل القيود التى ابتدعها هذا المجلس بدعوى تنظيم الصحافة.. وتذهب مخصصاته هو الآخر إلى ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض. ويجب أيضًا أن نتخلص وبأقصى سرعة من ذلك الكائن المهلهل المسمى بالمجالس القومية المتخصصة، فعلى الرغم من أن هذه المجالس تضم عقولا متميزة إلا أنها بلا دور حقيقى فى حياتنا، وكل الدراسات والتقارير التى تقدمها مكررة ومعادة.. ومرصوصة فى مجلدات خرساء على الأرفف لا يقربها أحد.. إنها مجرد مكملات لا يتذكرها أحد إلا عندما يعين لها رئيس جديد من أصحاب الوجوه التى استهلكت ويراد منحها منصبًا شرفيًا كمكافأة لنهاية الخدمة. وربما يأخذنا الحديث فى هذا الاتجاه إلى إطلالة على المجالس التى ارتبطت باسم حرم الرئيس المخلوع وتقييم أدائها كالمجلس القومى للمرأة أو المجلس القومى للطفولة والأمومة، من أجل تطويرها أو إلغائها وإنشاء كيانات جادة جديدة تؤدى دورها بعيدا عن أصحاب النفوذ والوجاهة. فنحن فى أمس الحاجة إلى المضمون وإلى الهدف وليس لنا حاجة بالشكل واللافتات والديكورات.