نتائج المقاعد الفردية في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانيةقدمت مدلولات واضحة لنضج الشعب المصري تمثل في اكتساح شبه كلي من التيار الإسلامي وهزيمة شبه كلية للتيار المدني. كان الدكتور عمرو الشوبكي الذي فاز في منطقة تشمل قاعدة إسلامية عريضة رغم وقوفه في جانب التيار المدني، صريحا وشجاعا في تشخيص هذا النضجبقوله إن مناضلي الفضائيات لا وجود لهم في الشارع وغير مؤثرين على توجهات الناخبين، ولا يصلون إلى الناس عبر تويتر وفيسبوك. الشوبكي نفسه ليس له حساب في تويتر.. ولم ينزو في استديو هواء ليشتكي مثل غيره من الوحش "الإسلاموي" القادم.. وهو التعبير الذي يطلقه غلاة العلمانيين على الإسلاميين.. قاتل بشرف وشراسة في دائرة، المفترض أن يربحها الإسلاميون بسهولة، خصوصا إمبابة التي كانت تسمى في الماضي "جمهورية إمبابة"لكثافة الجماعات الإسلامية فيها.. وخرج فائزا في جولة الإعادة. هذا يعني أن فزاعة التأثير الديني على إختيارات الناس لا ظل لها من الحقيقة. الناخب يصوت لمن يعتقد أنه الأفضل، ولا يمكن التأثير عليه بشعار الحلال والحرام كما يروج الليبراليون، فهو واع عارف بخطورة المرحلة ومتطلباتها، ولا يمنح صوته عن جهل. حزب المصريون الأحرار الذي حقق مفاجأة في الجولة الأولى بترتيبه الثالث ضمن الكتلة المصرية، تأخر كثيرا في الجولة الثانية وسبقه حزب الوفد، والسبب الوحيد مؤسسه نجيب ساويرس بتصريحاته المستفزة في كندا ومصر، وتحريضه ضد التيار الإسلامي، وسعيه للتدخل الغربي وللحصول على أموال من تحت الترابيزة عبر اتهامه الذي لا يملك عليه دليلا بأن قطر تمول الإخوان، وأن السعودية تمول السلفيين. إتهامات ذات رسائل طائفية أفقدت حزبه الوهج الذي حصل عليه في الجولة الأولى، فتوقفالناخبون عن التصويت له. نلاحظ أيضا أنه كلما علا صوت مناضلي الفضائيات وفزاعاتهم من الدولة الدينية، صب ذلك في صالح أحزاب التيار الإسلامي ومرشحيه. والمفارقة أن الليبراليين الذين يتهمون الإسلاميين باستخدام الدين لاسقاط خصومهم، هم الذين فعلوا ذلك عبر التفزيع المستمر من الدولة الدينية القادمة وامكانية فرض زي معين على النساء وحظر السياحة والخمور، لكنالنتائج جاءت لصالحمنافسيهم. في ظني لن يكون حال التيار المدني أفضل في المرحلة الثالثة، لأسباب أخرى منها نضج الخطابات السياسية الأخيرة لحزب النور وتمثل ذلك في التطمينات التي أرسلها إلى الغرب بخصوص معاهدة السلام مع إسرائيل والسياحة والأقباط والمرأة. وللحق أحدثت تلك الخطابات أثرها دوليا وأحرجت الليبراليين في الداخل، فقد كانوا يراهنون دائما على تشدد السلفيين وخطرهم على الدولة المدنية والعلاقات مع إسرائيل ومع الغرب. وجاءت تفجيرات دمشق لصالح الانفتاح الغربي - والأمريكي بصفة خاصة - مع التيار الإسلامي، فالنظام السوري وجه أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة، والمعطيات ترجح صحة ذلك بسبب الطائفية المتصاعدة في تلك المنطقة التي تشمل أيضا لبنان والعراق. ويرى الغرب أن وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر بالشرعية الشعبية، سيحاصر"القاعدة" ويحبط مخططاتها باعتبار أنها تجند الأتباع استنادا على عنصر الدين. [email protected]