هل يمكن أن يرى أحد عاقل يحترم نفسه ويحب بلده ما يدور، ولا يغضب ويقلق ويبادر ويناشد ويتحرك، ويكون ذا موقف تجاه ما يدور؟! إن ما يحصل فى مصر – لا شك- فتنة، وابتلاء، وتمحيص، وتمييز للمبطل من المصلح، والنصيح من المشوب، والصادق من الكذوب! ولعل من المناسب أن أقف اليوم قليلاً أمام الفتنة من زاوية نصوصية بحتة، لأدع القرآن العظيم يتكلم، والحديث الشريف يُبين..وسأتكلم عن نوع واحد من الفتنة: عن الفتنة العامة، عن اختلاط الأحكام، واضطراب الأمور، وتوتر الدخائل، وانتشار الشعارات، والاختلاف تحت الرايات، وإعجاب كل ذى رأى برأيه: الخبير والرويبضة، الأمين والخائن، من يعرف ومن لا يعرف! ومعلوم بالتجارب الإنسانية أن الأمة لو دخلت سبيلاً من هذه السبل الوعرة فربما ظلت فيه أربعين سنة تتيه فى الأرض، أو أربعمائة، أو أكثر؛ لسيطرة الأهواء، والموازنات، والأفكار المريدة غير الحميدة، ولا المفيدة إلا لأصحابها فى هذه العاجلة! وهذا النوع من الفتن شرٌّ كامنٌ غافٍ، ينبغى ألا يُحرك ولا يثار، محافظة على الأمة وعافيتها، فقد ورد فى آثار ضعيفة: (الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها). فماذا فى كتاب الله وصحيح السنة عن الفتنة العامة؟ ** الله يرحمنا من الفتن كلها: فى الحديث: (إن السعيد لمن جُنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن، ولمن ابتلى فصبر فواها)! ** النبى صلى الله عليه وسلم تعوَّذ من الفتن بأنواعها: فى الحديث: (اللهم إنى أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لى وترحمنى، وإذا أردت فتنة فى قوم فتوفنى غير مفتون).. ** الفتنة أكبر من القتل، والموت خير من الوقوع فيها: يقول تعالى: (.......وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) وفى الحديث: (اثنتان يكرهما ابن آدم: يكره الموت، والموت خير له من الفتنة). ** الاستمساك بالأصول الصحيحة عند البلاء: فى الحديث: (إنها ستكون فتنة. فقالوا: كيف لنا يا رسول الله ؟! أو كيف نصنع؟ قال: ترجعون إلى أمركم الأول). ** ستكثر الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتنوع وتتتابع: فى الحديث: (إن أمتكم هذه جعل عافيتها فى أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتى، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه).. ** لزوم اعتزال الفتن التى لا يتضح فيها وجه الصواب، والحق من الباطل: فى الحديث: أن رجلين أتيا ابن عمر فقالا: إن الناس ضيعوا، وأنت ابن عمر، وصاحب النبى صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعنى أن الله حرم دم أخى، فقال: ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}. فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله! ** المؤمن لا يتورط فى فتنة المؤمنين بالخلاف، ولا فتنة الكافرين بالنموذج السيئ: يقول تعالى: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا) ويقول: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ** ابتلاء المؤمنين بسبب إيمانهم مسألة محتومة: يقول تعالى: (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) ** ينبغى أن تتحد قلوب أبناء الأمة، ولا يسقطوا فى فخاخ الانقسام: يقول تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض؛ ِإلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) ** من أراد الله فتنته فتنه، والمفتونون هلكى لا محالة: يقول تعالى: (وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا( ** هناك صناع فتنة متربصون، فليُحذروا: يقول تعالى (.....وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) ** وهناك عشاق للفتن، إذا قاموا من فتنة ارتكسوا فى غيرها: يقول تعالى: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً، وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) ** من الناس من يفتن نفسه، ويصير فتانًا: قال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ( وقال تعالى: (..... ينادونهم ألم نكن معكم؟! قالوا: بلى؛ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ، وَتَرَبَّصْتُمْ، وَارْتَبْتُمْ، وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ) ** الطامعون فى الحكم (أئمة الفتنة) بلاء على الأمة: دخل رجل على عثمان، وهو محصور، فقال: (إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلى لنا إمام فتنة، ونتحرج؟ فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم). ** المخادعون ولابسو الأقنعة من أسوأ أهل الفتنة: فى الحديث: (يخرج فى آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر، وقلوبهم قلوب الذئاب! يقول الله تعالى: أبىّ يغترون؟ أم علىّ يجترئون؟ فبى حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران)! ** الفتنة لا تصيب أصحابها فقط: يقول تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) وفى الصحيحين: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: (نعم؛ إذا كثر الخبث). **من علامات ظهور الفتن: فى الحديث: (كيف بكم إذا لبستكم فتنة، يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، وتتخذ سنة، فإن غيرت يومًا قيل: هذا منكر؟! قيل: ومتى ذلك؟ قال، إذا قلت أمناؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت قراؤكم، وتفقه لغير الدين، والتمست الدنيا بعمل الآخرة)! ** رفض الفتنة واجتناب أسبابها: فى الحديث: كان صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب وهو يقول: (لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزل السكينة علينا، وثبت الأقدام إن لاقينا، إن الألى قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا)! ** من الفتنة ضرب الدين بعضه ببعض، واجتزاء النصوص، والتلبيس بها على العامة: فى الحديث: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم". ** مخالفة أمره سبحانه وهديه صلى الله عليه وسلم من أكبر أسباب الفتنة الخاصة والعامة: يقول تعالى (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ( ** البشر للبشر فتنة عامة: يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ( ** النفاق أسوأ أشكال الفتنة العامة: يقول تعالى عن سلوك المنافق ابن شريق: (ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتني.. ألا فى الفتنة سقطوا). ** المال من الفتنة العامة: فى صحيح الجامع عن سيدنا كعب بن عياض رضى الله عنه، مرفوعًا: (إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتى المال). وللموضوع تتمة إن شاء الله تبارك وتعالى.. [email protected]