يجلس الخطاط خميس حنفي في مدينة الإسكندرية ، أمام محله في ميدان "القرفصاء"، منتظرًا مرشحًا للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها بعد أسبوعين، أو مديراً لحملته، يطلب منه كتابة لافتات قماشية دعائية، إلا أن الانتظار يطول بلا قيمة، بعد أن "غزت" المطابع هذا المجال. ولم يكن يتوقع الكثير من الخطاطين العاملين في مجال كتابة اللافتات القماشية، الذين التقتهم الأناضول في الإسكندرية، أن يأتي اليوم الذي يخرجون فيه "خاليين الوفاض بلا مكاسب مالية" من الاستحقاقات الانتخابية، التي يعتبرونها موسم رزق رئيسي لهم، حيث كانوا يقومون بكتابة كميات كبيرة من لافتات المرشحين. وبحسب حنفي وآخرين من أمثاله، فإن الوسائل التكنولوجية المتقدمة، قضت على آمال فئة الخطاطين في الاسترزاق من المواسم الانتخابية، خاصة بعد اكتساح اللافتات المطبوعة باستخدام الكمبيوتر، وماكينات الطباعة، لسوق الدعاية الانتخابية، وذلك برغم ارتفاع تكاليفها، لكنها تكون مدعومة بصورة المرشح ورمزه الانتخابى بوضوح تام. ويتراوح سعر المتر الواحد من لافتة القماش من 15- 20 جنيهاً، بينما المطبوعة فسعر المتر الواحد يترواح بين 30-35 جنيهاً. ويقول حنفي للأناضول "منذ عدة سنوات كنا ننتظر بفارغ الصبر قدوم أي استحقاق انتخابي، سواء كان برلمانياً أو رئاسياً، أو في حالات الاستفتاء، بغرض تحقيق مكسب مالي يضمن تسديد ديوننا التي تتراكم علينا طوال الوقت، بسبب الكساد الاقتصادي الدائم في السوق المصري". واستدرك قائلاً "أما الآن فتعلو صوت الماكينات، والآلات الحديثة التي تبلغ أسعارها مئات الآلاف من الجنيهات، فوق الجميع، إذ ضرب الكساد سوق اللافتات القماشية بشدة نتيجة تفوق هذه الآلات". وبصوت متعب، تحدث جابر بيكاسو (73 عاماً)، أحد أقدم الخطاطين في الإسكندرية، قائلًا "بقيت أعمل في هذه المهنة على مدار أكثر من 60 سنة، منذ أن كان عمري لا يزيد عن 13 عاماً". ومضى بقوله "أعتز بمهنتي بشدة، فأنا من جيل كان يحترم الخطاط، ويعتبره فنانًا يمتهن مهنة تبعث على الابتكار، والحفاظ على الخط العربي بأصالته وجماله، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التي مرت بها مصر خلال السنوات الماضية، أصابت الخطاطين في مقتل، إذ دخل في المهنة من ليسوا أهلًا لها، الأمر الذي دمّرها وأخلّ بجمالها، وقلّل من قيمتها في نظر المجتمع، وسهّل من انتقال المرشحين إلى اللافتات المطبوعة، دون اعتناء بقيمة الفرشاة والريشة، وكتابتها الجمالية الأخّاذة التي تبهج العيون". محمد أشرف، أحمد العاملين في مطبعة كبيرة بسوق الورق، في المدينة، يقول للأناضول "عملت على مدار 5 سنوات كخطاط للافتات القماشية، ثم اضطررت لتحويل مهنتي إلى العمل في مطبعة، بعد العزوف الشديد عن طلب اللافتات اليدوية، واستحسان العملاء لتلك المكتوبة بواسطة الكمبيوتر". وتابع "حتى نكون صادقين مع أنفسنا، فلابد أن نعرف جيدًا أن الكتابة بالكمبيوتر ليست فقط أسهل وأسرع من الكتابة بالفرشاة والأحبار، بل أنها تضمن عدم وجود أخطاء في الكتابة، واستخدام الألوان الجذابة بشكل فائق الجودة، وتضمينها صور نقية وجيدة للمرشحين، وهو ما يزيد من إقبالهم عليها". ويعتبر أشرف نفسه من سعداء الحظ الذين مكنتهم الظروف من الانتقال من مهنة الخطاط إلى عامل مطبعة في مجال "البنرات" بسهولة ويسر، كونه يعرف كيفية استخدام التكنولوجيا. هيثم الحريري، أحد المرشحين للانتخابات المقبلة، عن دائرة "محرم بك" وسط الإسكندرية، قال للأناضول "لا أفضل اللافتات القماشية، فاللافتات المكتوبة بالكمبيوتر أفضل شكلًا، وأسرع، ولها قبول أكبر عند جمهور الناخبين". ويوافقه الرأي، أحمد سلامة، المرشح عن دائرة "ميناء البصل" بالمدينة نفسها، الذي قال إنه يعتمد على أشكال حديثة ومبتكرة من الدعاية الانتخابية، مثل الأقلام، وألعاب الأطفال، والمنتجات الورقية والبلاستيكية والزجاجية المكتوب عليها اسمه. ورأى في حديثه مع الأناضول، أن اللافتات القماشية واللجوء إلى الخطاطين أمر "عفا عليه الزمن". أما مجدي عفيفي، المرشح عن دائرة "كرموز" فرأى أنه "لا غنى عن الخطاطين واللافتات القماشية" لكنه استدرك بقوله "غير أن الأساليب الحديثة، والماكنات، أصبحت منافساً قوياً للافتات القماشية، وسحبت البساط من تحت أقدام الخطاطين بشدة". ومن المقرر أن تجري المرحلة الأولي من انتخابات مجلس النواب (البرلمان)، يومي 17 و18 أكتوبر الجاري، خارج البلاد، و18 و19 من الشهر نفسه داخلها، فيما ستجرى المرحلة الثانية في نوفمبر المقبل، على أن ينعقد المجلس نهاية العام.
والانتخابات النيابية هي ثالث الاستحقاقات التي نصت عليها "خارطة الطريق"، والتي تم إعلانها في 8 يوليو 2013 عقب إطاحة الجيش بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً، وتضمنت أيضاً إعداد دستور جديد للبلاد (تم في يناير 2014)، وانتخابات رئاسية (تمت في يونيو 2014). وأقر الدستور المصري الجديد، نظام "الغرفة البرلمانية الواحدة"، وتمت تسميتها ب"مجلس النواب"، وأُلغيت الغرفة الثانية التي كان يشملها الدستور السابق، وهي ما كانت تُعرف ب"مجلس الشورى".