يشير البعض بأن إعلان جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية فى مصر، فى بادئ الأمر عن عدم مشاركتها فى فعاليات يوم 25 يناير، قد ساهم فى تر سيخ المشاعر السلبية تجاه تلك الدعوات. لكن بالرجوع إلى بيانات ووثائق الجماعة نجد أن هذا القول يجانبه الصواب، بل يعد اصطيادًا لموقفهم المبدئى، وتسويقه على أنه الموقف الرسمى لها. فقبل انطلاق الثورة بثلاثة أيام، أى يوم 22 يناير، أعلن الدكتور محمد البلتاجى، القيادى فى الحركة، فى إذاعة صوت الأقصى عن مشاركة الإخوان المسلمين فى تظاهرات 25 يناير. لكن لم يصدر عن الإخوان أى بيان رسمى مكتوب يعلن تلك المشاركة ويؤكدها. ومن ثم لا يوجد أى بيان ورقى يؤرخ لهذا الموقف الصريح من المشاركة. وهنا تظهر أهمية الاعتماد على التقنيات الحديثة فى التأريخ لموقفهم المؤيد للمشاركة. فبالإضافة لتصريحات محمد البلتاجى خرج الدكتور عصام العريان يوم 23 يناير ببيان شفوى بثه موقع إخوان يوتيوب، أعلن فيه صراحة مشاركة الإخوان فى وقفة أمام القضاء العالى، مضيفاً بأنهم قرروا عدم منع الشباب الإخوانى فى القاهرة وبقية المحافظات، من المشاركة فيها. وبالتدقيق أكثر فى البيانات الشفوية نكتشف أهمية البيانات المكتوبة وخلفياتها . فعلى سبيل المثال حين أشار بيان عصام العريان الشفوى السابق بأن من ضمن مهمام شباب الإخوان خلال تلك التظاهرات، هو عرض ورفع مطالب الإخوان العشرة التى صدرت فى بيان رسمى مكتوب يوم 19 يناير، بهدف جمع التأييد حولها، وتعريف الناس بها، وتثقيف المتظاهرين بها، نستوضح لماذا ترددت الشائعات والأقوال بأن الإخوان هم أحد الأطراف الرئيسية فى الدعوة لتظاهرات 25 يناير بل لم يكن الإعلان عن المشاركة شكليًا؟ فبالرجوع للأرشيف الصحفى نجد أن هذه المشاركة قد تم توثيقها رسمياً. ففى القاهرة على سبيل المثال، تجمع عشرات النواب السابقين، غالبيتهم من جماعة الإخوان، أمام دار القضاء العالى فى قلب القاهرة، حينما خرج الألوف، ومن بينهم شباب الإخوان، فى مظاهرات حاشدة الساعة الواحدة ظهرًا يوم 25 يناير 2011، احتجاجًا على أوضاعهم المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة. واستمر هذا التدفق الإخوانى خلال جمعة الغضب يوم 28 يناير التى سقط فيها أول شهيد من شباب الإخوان، الشهيد مصطفى سمير الصاوى. بل هناك روايات تقول بأنهم كانوا وراء إحراق المبنى الرئيسى للحزب الوطنى على كورنيش النيل، ومبنى مباحث أمن الدولة، والعديد من أقسام الشرطة، انتقامًا من المؤسسات التى مارست معهم العنف والقهر والتعذيب طيلة سنوات مبارك فى الحكم. وأن موقعة الجمل كان هدفها إخراجهم من ميدان التحرير بأى شكل، نظرًا لما حققوه من استفادات ومكاسب سياسية كبيرة خلال فترة بقائهم فيه ومن المؤكد أننا حينما نطل على البيانات الرسمية التى أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين طيلة فترة الثورة سنلاحظ أنها تتضمن خمسة عشر بياناً تؤرخ لمسيرة الإخوان عبر الثورة. وهذا يعنى أن الجماعة كانت تصدر بياناً كل يوم تقريباً. وخلاصة هذه البيانات سبعة أمور مهمة : الأمر الأول، أن أول بيان للجماعة يقترب من الاستعداد الخفى للمظاهرات صدر فى 19 يناير، أى قبل بدء المظاهرات فى 25 يناير بستة أيام، وأن البيان الأخير بشأن نجاح الثورة فى مهمتها صدر فى 12 فبراير، أى فى اليوم الأول عقب تنحى مبارك فى 11 فبراير. الأمر الثانى، الميزة النوعية لبيانات الإخوان عن بقية البيانات. فقد صدرت بصفة يومية، ومن ثم رصدت كل الأحدث التى تؤرخ بالفعل لكل ما حدث فى الثورة من تفاعلات. الأمر الثالث، أن البيانات الأولى صدرت ممهورة بتوقيع المرشد العام محمد بديع فى أيام 23 و26 و 29 يناير، فى حين صدرت البقية بتوقيع الإخوان المسلمين فقط، وكأن الأمر قد رتب على أنه فى حالة الفشل يتحملها المرشد العام دونما تأثير على بقية التنظيم. الأمر الرابع ، أن البيانات تقطع بأنهم كانوا جزءاً رئيسياً فى التخطيط للمظاهرات، وليس كما يدعى البعض بأن مشاركتهم تمت فيما بعد. الأمر الخامس، أن بيان 19 يناير يقطع بهذا الاستعداد للمظاهرات، فقد طالبوا شباب الإخوان بأن يرفعوا تلك المطالب التى سجلوها فى هذا البيان، وأن يقوموا بحشد الجماهير والتفافهم حولها. الأمر السادس، أنهم أول من غيروا وقادوا الجماهير ناحية المطالبة برحيل مبارك، حينما رفعوا شعار " ارحل يا مبارك"، استبدالاً لشعار " تغيير، حرية، عدالة اجتماعية". الأمر السابع، أن الإخوان هم التنظيم الوحيد الذى امتلك رؤية واضحة، وتصورًا كاملا لسيناريو الخروج والتنحى. د.أحمد عبدالدايم محمد حسين أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر جامعة القاهرة [email protected]