"السادات" تدخل لخفض سعر اللحوم فى السبعينيات و"مبارك" استنجد بشركات أمريكية وأوربية و"مرسي" لجأ الى السودان.. والسيسى الأزمة فى طريق مسدود "مرعى بيه يا مرعى بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه".. شعار رفعه المتظاهرون فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات أواخر السبعينيات من القرن الماضي، اعتراضًا على ارتفاع أسعار اللحوم وقتها ليزيد من 86 قرشا إلى جنيه واحد، ومع مرور أكثر من 38 عامًا ووصول الرئيس السيسى للسلطة تضاعف سعر كيلو اللحوم إلى ما يقرب من مئة مرة من عام 1977حتى عام 2015، حيث ارتفع كيلو اللحوم فى عدد كبير من محافظات مصر مؤخرًا ليصل إلى 100 جنيه فى بعض المحافظات المصرية . و رغم مرور ثمانية وثلاثين عامًا لم يختلف كثيرًا أسلوب اعتراض المواطنين على غلاء اللحوم حيث تبنى عدد من شباب محافظات مصر حملة تحت عنوان "بلاها لحمة ياجزارين" لمنع شراء اللحوم لمدة شهر كامل حتى يتم عودة اللحوم إلى أسعارها الحقيقة وقد لاقت هذه الحملة إقبالا شديدا من عدد من المواطنين ولكنها هل ستنجح أم سيضطر المواطن المصرى الى التظاهر فى الشوارع ومناداة الرئيس السيسى لتخفيض أسعار اللحوم مثلما فعل المواطنون قبل ذلك مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
أزمة اللحوم بدأت فى عهد السادات والمظاهرات منعت الزيادة تعتبر أزمة اللحوم من أهم الأزمات التى تقابل المسئولين المصريين، وهى الأزمة التى من خلالها من الممكن أن تقال وزارة أو حكومة بالكامل وذلك لما يمثله اللحوم بالنسبة للمجتمع المصرى، وقد بدأت أزمة اللحوم فى الظهور خلال فترة تولى الرئيس أنور السادات رئاسة مصر، حينها ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء فى عام 1977 إلى 100 قرش مما أدى إلى إثارة المواطنين واضطرهم ذلك إلى التظاهر وقد كان سعر كيلو اللحم الأحمر الطازج فى عام 1975 وما قبلها يباع ب 68 قرشًا. وكانت مصر تستورد اللحم الطازج من فرنسا حيث كانت تأتى أفخاذ الأبقار والزنود تخزن فى شركة جيركو للتبريد بغمرة بالقاهرة، ليتم تشفيتها وتباع بسعر60 قرشًا للحوم العادية وبسعر68 قرشا للحوم الممتازة وبسعر75 قرشا للبتلو، كما استوردت مصر خلال تلك الفترة لحوما مبردة طازجة من السودان وكان يجرى ذبحها فى مجزر "أم درمان الآلي" بالسودان، وكانت تأتى مبردة ومقطعة العجل بالكامل إلى أربعة أجزاء عبر المستورد. وقد قرر الرئيس أنور السادات، رفع الدعم عن بعض السلع عام 1977 وجاء ذلك فى بيان ألقاه نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشعب، أعلن فيه عن مجموعة من القرارات الاقتصادية الصادمة، ومنها رفع الدعم عن السلع الأساسية، برفع أسعار الخبز50% والسكر25% والشاى 35% وكذلك الأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى وتبع ذلك ارتفاعا جنونيا فى كافة أسعار السلع الأخري، فقد وصل سعر كيلو اللحم الأحمر إلى 100 قرش، وهو ما دفع الجماهير للخروج فى مظاهرات غاضبة مرددين هتافات "مرعى بيه يا مرعى بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه"، وكان سيد مرعى فى ذلك الوقت رئيس مجلس الشعب، وذلك اعتراضًا على ما تم اتخاذه من قرارات بالمجلس. وكان رد فعل الرئاسة وقتها سريعا حيث تم إلغاء قرار رفع الدعم وعندما علم السادات بأن أسعار اللحوم مازالت كما هى وقرر منع الذبح لمدة شهر على أن يطبق القرار على كافة أنواع الحيوانات، وعلى جميع المحافظات وقد حث الرئيس السادات الشعب على مقاطعة شراء اللحوم لمدة شهر، وتم تنفيذ قرار منع الذبح والمقاطعة بدقة متناهية، وكان مجرد مرور مفتش التموين من أمام متاجر الجزارين الخالية من اللحوم يمثل رعبا للجزارين، وبانتهاء الشهر كانت الأسعار قد عادت إلى طبيعتها وأصبحت اللحوم فى متناول الجميع.
الاستيراد وسيلة الحل الآمنة لمبارك ومن عهد الرئيس الراحل أنور السادات إلى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وبالتحديد فى عام 2010، حيث شهدت البلاد موجة من ارتفاع أسعار اللحوم قرب عيد الأضحي، وفشلت الحكومة وقتها فى سد العجز ما دفعها إلى اتخاذ عدد تدابير، منها الدخول فى مفاوضات مع شركات أمريكية وأوربية لاستيراد عشرات الآلاف من أطنان اللحوم، كما كانت اللحوم توزع تحت حماية الشرطة فى المجمعات الاستهلاكية، وقاطعت محافظة الجيزة منتجات اللحوم لمدة شهر، وتوعدت بمد المدة إذا لم تنخفض الأسعار.
السودان هى الحل فى عهد الإخوان أما فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، فنجد أنه فى عام 2012، ولتدارك الأزمة فتحت وزارة الزراعة جسرًا جويا بين القاهرة والسودان، لنقل اللحوم المستوردة وتوقيع بروتوكول لتوريد5000 رأس ماشية إلى مصر كل شهرين، واتخذت الوزارة قرارا بمنع تصدير الأغنام إلى ليبيا لسد العجز.
الأزمة فى طريق مسدود.. والسيسى طوق النجاة للمصريين لكن فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى ورغم مرور عام واحد على حكمه، وصل ارتفاع أسعار اللحوم الجنونى خلال الأيام الماضية، حيث وصل كيلو اللحوم الحمراء فى بعض المناطق إلى ما يقرب من 150 جنيها بينما متوسط كيلو اللحمة فى الوقت الحالى فى جميع محافظات مصر وصل الكيلو إلى 100 جنيه وقد تسبب ذلك فى تذمر المواطنين من زيادة الأسعار ومحاولاتهم الوصول إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى لكى يشكو لهم غلو الأسعار التى يواجهونها.
الصعايدة يجدون حلاً للأزمة من خلال المقاطعة وقد تبنى عدد من المواطنين، فى صعيد مصر وبالتحديد محافظة سوهاج حملة تحت عنوان "بلاها لحمة يا جزارين" تبنى خلالها مواطنوا مدينة جرجا، حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعى فيس بوك بمقاطعة اللحوم الطازجة والبلدي، وهو ما دعت له مجموعة من سيدات الصعيد وشبابها، وهذا بسبب استمرار زيادة فى أسعار اللحوم حتى وصلت سعر الكيلو 90 جنيهًا. واقترح بعض الشباب المشاركين فى هذه الحملة طبع أوراق دعاية تحت شعار "بلاها لحمة" لتصل إلى كل المواطنين بشارع الجرجاوي، وقالوا أيضًا أنهم بحاجة إلى مشاركة الجميع، وإذا قاطعوا المواطنون منتجات اللحوم الغالية لمدة 30 يومًا فقط تكدست فى الثلاجات والمخازن وستنخفض مبيعاتها وسيصبح التجار مرغمون على خفض أسعارها، وقد حدد النشطاء مدة وقدرها شهر للمقاطعة وقد لاقت هذه الحملة قبولاً قوية لدى باقى محافظات مصر وتبنى عدد كبير داخل المحافظات هذه الدعوة فى ظل غلاء الأسعار.
مواطنون: كل متطلبات الأسرة ارتفعت أسعارها ولابد من حل لغلاء الأسعار المواطنون من جهتهم اشتكوا من ارتفاع أسعار اللحوم، فيقول أحمد رجب 45 سنة موظف بوزارة التربية والتعليم ويقيم بحى عين شمس، ليس فقط الزيادة فى أسعار اللحوم ولكن الزيادة فى كل احتياجات البيت تقريبًا ونعانى حاليًا من هذه الزيادة معاناة شديدة الفاصوليا الآن وصل سعرها إلى 14 جنيها واللحمة 100 جنيه. وأضاف رجب، فى الماضى كان هناك سخرية من الرئيس الأسبق محمد مرسى عندما قال إن كيلو المانجو ب 4 جنيهات بالرغم من أن هذا هو دليل على استقرار الأسعار وحاليا وزارة الزراعة أعلنت أن كيلو الخرفان القايم ب 40 جنيها و المواشى ب 36 جنيها فما بالك بالمذبوح، فالإنسان أصبح الأقل قيمة حتى من الحيوانات التى أصبحت أسعارها لا يستطيع المواطن المصرى تدبرها أو الحصول عليها . فيما قالت مروة شحاتة 25 سنة موظفة فى أحد المكاتب الخاصة، إنه يجب على الرئيس عبد الفتاح السيسى اتخاذ خطوات عملية مثلما فعل الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى أصدر قانونا بمنع الذبح لمدة شهرين كاملين، بجميع محافظات الجمهورية، ما أدى إلى انخفاض سعر اللحوم وأصبحت فى متناول الجميع. وأضافت مروة، أن هناك فئة من المجتمع المصرى تقاطع شراء اللحوم بشكل إجباري، حيث إنهم لا يشترونها لارتفاع سعرها وقلة رواتبهم التى لا تكفى قوت يومهم .
"يوسف": قلة المعروض وعدم الاهتمام بمشروعات تثمين العجول سبب رئيسى فى زيادة الأسعار أما خبراء الاقتصاد فكان لهم رأى آخر فيقول يوسف محمد الخبير الاقتصادى ومدير منفذ بالمنطقة الحرة، إن السبب فى ارتفاع أسعار اللحوم هو قلة المعروض وعدم الاهتمام بمشروعات تثمين العجول، نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف وعدم وجود مراع طبيعية تواكب الزيادة السكانية فكل هذا تسبب فى زيادة أسعار اللحوم. وعن مقاطعة اللحوم فى كونها حلا للمشكلة أضاف محمد أن مقاطعة اللحوم حل مؤقت، لن يؤثر كثيرا بل سيؤثر سلبا حيث سترتفع أسعار الدواجن والأسماك وللأسف فى مصر. فما يرتفع سعره لا يعود كما سبق، والحل هو زيادة المعروض من اللحوم وزيادة الإنتاج وإقامة مشروعات زراعية كبيرة توفر الأعلاف والمراعى للماشية وإقامة مشروعات صناعية عليها وتثمين وتشجيع الشباب بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة للتثمين، فالشعب المصرى لن يقاطع كله ومن سيقاطع سينسى قريباً وتعود كل الأسعار للارتفاع لأن الحل الوحيد فى ظل السوق المفتوح هو ارتفاع الأسعار فقط. وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الكلام عن تحديد ومراقبة الأسعار للشو الإعلامى فقط، وهو غير واقعى فى عصر العولمة والسوق المفتوح فالرقابة على الصلاحية والجودة فقط، فلا أعتقد أن يقوم المصريون بعمل مظاهرات شبيه كما حدثت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، فقد مل المواطنون من المظاهرات والمتظاهرين ولم نجن منها إلا مزيد من الانحدار.
عامر: زيادة الأسعار تعود فى الأساس لقلة عدد رؤوس الماشية فى مصر من جانبه يقول الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، إن الجميع حاليًا فى مصر يعانى من الارتفاع الهائل فى أسعار اللحوم وأسعار الماشية الحية، لدرجة وصول سعر كيلو اللحوم الحية إلى ثمانين جنيها فى بعض المناطق وهو ما يفوق طاقة الكثير من أبناء هذا الشعب المسكين . فاللوم المباشر عن هذا الارتفاع يوجه للجزارين، لكن ليس الجزار هو المسئول الأول عن هذه الزيادة الرهيبة فى الأسعار، فزيادة الأسعار تعود فى الأساس لقلة عدد رؤوس الماشية فى مصر مما تسبب فى ارتفاع أسعار الماشية الحية، حيث وصل سعر الجاموسة الصغيرة التى لم يمر عليها سوى عام فقط لحوالى سبعة آلاف جنيه وأكثر وارتفع سعر الخروف قبل العيد ليصل ل 2000 جنيه. والسبب الرئيسى فى ارتفاع اسعار الماشية والخرفان يكمن فى عمليات الذبح الجائر لأمهات الماشية والخراف المنتجة والولادة كما يطلق عليها، حيث إن قانون وزارة الزراعة المصرية يسمح بذبح أى أنثى ماشية قامت بالولادة مرة واحدة فقط رغم إن ما زال لديها القدرة لتلد أكثر من عشرين أو ثلاثين مره أخري، إذن فالسبب الرئيسى لأزمة اللحوم والماشية فى مصر يكمن فى السماح بذبح أمهات الماشية مما يهدد الثروة الحيوانية فى مصر ويرفع أسعار اللحوم بشكل جنونى .