«كن إيجابيًا ومتعاونًا.. التحضر لست بالغلاء.. شارك محدودي الدخل والمجتمع، وقاطع اللحوم.. لنقف جميعًا ضد جشع الجزارين».. كلمات دشن بها النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة "بلاها لحمة" التي تنطلق اليوم في القاهرة بعد أن حققت نجاح في محافظات الصعيد. تبني بعض المواطنين في مدينة جرجا، التابعة لمحافظة سوهاج حملة مماثلة لمقاطعة اللحوم الطازجة والبلدية، وبدأت يوم 15 أغسطس ولمدة شهر، بعد أن وصل سعر الكيلو 90 جنيها، واقترح بعض الشباب طبع أوراق دعاية تحت شعار "بلاها لحمة" لتصل إلى كل الناس، وما أن تم تدشين الصفحة على "فيس بوك" فى محافظة سوهاج حتي انتقلت إلى محافظاتأسوان وبني سويف وصولًا إلى القليوبية ودمياط. وكانت كل الصحفات هدفها واحد هو مطالبة الجهات الرقابية فى المحافظات بالتفتيش الدوري على الجزارين؛ لأن دور الجهات الرقابية والمحافظين والمحليات يكاد يكون معدوما. من 25 قرشًا إلى 100 جنيه.. اللحوم تخاصم الفقراء على مر العصور وبالعودة للوراء، نجد أن اللحمة كانت من أبرز أزمات الأمن الغذائى المصرى على مر العصور، لكن البعض يعتبر عصر جمال عبدالناصر الأفضل، حيث كان سعر كيلو اللحم 25 قرشا، وتدرج إلى أن وصل 75 قرشا. فى عام 1975 كانت اللحمة شاهدة على عصر الانفتاح، فوصلت إلى 68 قرشا، وقفز السعر مرة أخرى ليصل إلى جنيه، فخرجت المظاهرات الأشهر تهتف ضد سيد مرعى، رئيس مجلس الشعب، «سيد بيه يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه». وكان قرار الرئيس الراحل أنور السادات وقتها في مصلحة المواطنين، حيث قام بحظر الذبح أو بيع اللحوم ومنتجاتها سواء كانت حمراء أو بيضاء أو أسماك لمدة شهر مع عدم ذبح أنثى البتلو لزيادة الثروة الحيوانية، وبالفعل كان قرارا جريئا أعاد الأمور إلى نصابها واتزانها وانخفض سعر اللحم إلى ثمانين قرشا، وزاد المعروض فى السوق، إلى جانب توفير الأعلاف الخضراء وتشجيع المربين على تربية الماشية عن طريق التأمين على العجول وتسليمهم الأعلاف المدعمة، فضلا عن مشروع تنمية البتلو المؤمن عليه من قبل المؤسسات التابعة لوزارة الزراعة، فأدى ذلك إلى توافر المعروض فى الأسواق وانخفاض الأسعار. وفى عام 1980، تم فرض تسعيرة جبرية ليصبح كيلو اللحم الكبير 140 قرشا والكندوز 215 قرشا، ومع تولى مبارك الحكم، رفع الدعم على الأعلاف الخضراء وعن مشروع تأمين العجول والبتلو، فقفز كيلو اللحم الأحمر تدريجيا إلى أن وصل إلى 100 جنيه، أدى ذلك غلى فجوة غذائية يعانى منها المصرى، فأصبح أقل سكان العالم امتلاكا للحوم بما يعادل 41 جراماً يوميا، ما يعنى وجود نقص فى البروتين الحيوانى للكثير من المواطنين يعرضهم لمخاطر صحية، فالمصرى أصبح يعانى الأمرين ليحصل على كيلو لحم. مصر الأقل استهلاكًا للحوم عالميًا..و5,67 مليون مواطن لا يأكلونها ويعد المواطن المصري الأقل استهلاكا للحوم عالميًا، فهو أقل استهلاكا لها من الأفارقة، ففى غانا يأكل المواطن 17 كجم سنويا، وفى مصر 9,14 كجم وفق أحدث إحصائيات، وفى أمريكا 100 كجم، وبتشريح أدق سنلاحظ أن 6,24٪ من المصريين من يتعاملون مع اللحوم فعليا، أى أن 5,67 مليون مصرى لا يأكلون اللحمة وفق إحصائية فى عام 2010. يقول شريف الصيرفي، مؤسس "بلاها لحمة"، إن الحملة هدفها مواجهة الأسعار بشكل عام وليس اللحوم فقط، موضحا أن أسعار اللحوم ارتفعت بشكل جنوني خلال الأيام الماضية حتي وصل إلى 90 و100 جنيه في محافظات عديدة، مؤكدا أن حملة مقاطعة اللحوم لا تخاطب غير القادرين فقط بل الجميع؛ حتي يتوقف التجار عن الجشع والغلو. وأضاف "الصيرفي" أن الكثير من رجال الأعمال والطبقة المتوسطة أعلنوا تضامنهم مع الفقراء بعدم شراء اللحوم لمدة شهر كامل؛ حتي تتحرك الجهات الرقابية المسئولة عن مراقبة الأسواق، وحتي يتحدد لنا سبب الغلاء. من جانبه، أوضح أشرف شندي، الخبير الاقتصادي، أن حملات مقاطعة اللحوم بالتأكيد إيجابية، لكنها لن تحقق المطلوب من انخفاض سعر اللحوم سوي بجنيهات قليلة، مؤكدا أن الأزمة تتمثل في نقص المعروض من اللحوم في الأسواق حاليًا. وتابع "شندي" أن جزءا كبيرًا من زيادة الأسعار في اللحوم حاليا، يرجع لعمليات الاحتكار الموجودة في هذا القطاع من بعض التجار الذين يتلاعبون بالأسعار كما يشاءون، مطالبا جهاز حماية المنافسة والممارسات الاحتكارية بضرورة التدخل لضبط السوق.