جمال سلطان ما حدث في معرض القاهرة للكتاب والبطولة الأفريقية لكرة القدم يؤكد من جديد عشوائية القرار في بلادنا ، وأن الأمور تدار وفق منطق العزبة وعمدة العزبة الذي لا معقب على قراره ولا راد لرأيه ، ولنأخذ مثلا بسيطا من الاثنين ، تذكرة دخول المباريات ، الجهابذة المشرفون على ترتيبات البطولة الأفريقية قرروا أن تكون تذكرة دخول المباريات تبدأ من عشرين جنيها للمباراة في "الترسو " أو الدرجة الثالثة ، وبحت أصوات العقلاء لكي يفهموا الجماعة أن هذه حماقة ، ولن يوجد مصري واحد يدفع عشرين جنيها في تذكرة درجة ثالثة لكي يشاهد فريق توجو العظيم وهو يواجه فريق الكونغو الأعظم ، ولا حياة لمن تنادي ، حتى إذا بدأت البطولة وفي الأيام الأولى كان منظر استاد الكلية الحربية فضيحة والمدرجات خاوية والمباراة تجري وكأنها في ظل قرار مسبق بمنع الجمهور من الحضور ، وتكرر الأمر في الملاعب الأخرى ، أسرع الجهابذة إلى اتخاذ قرار مفاجئ بتخفيض التذاكر إلى أقل من ربع قيمتها وقد تردد أن آلاف التذاكر قد تم توزيعها مجانا من أجل إحضار الجمهور لستر الفضيحة ، طيب ما كان من الأول ، وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب قام الجهابذة الذين أشرفوا عليه باتخاذ قرار عنتري برفع سعر التذكرة الرمزي الذي جرى عليه العرف من سنين من نصف جنيه إلى جنيهين ، وعندما سأل رئيس الجمهورية في الافتتاح رئيس المعرض عن التذكرة فقال بصوت خفيض : بجنيه يا فندم ، وهو يعلم أنه يكذب ، وقد اشتكى الناس وضجوا من هذا السعر الجزافي الذي قدره شخص يبدو أنه أتى لتوه من بعثة في الخارج طالت أكثر من نصف قرن ، ولا يعلم شيئا عن أحوال المصريين ، وبعد يومين من الشكوى والكتابات التي أكلت وجوههم اضطروا صاغرين إلى تخفيض تذكرة الدخول من جنيهين إلى جنيه واحد ، وأنا شخصيا أولادي انقسموا قسمين ، قسم تعجل بالدخول في اليومين الأولين فدفعوا التذكرة جنيهين ، والقسم الآخر تأخر فدفع التذكرة جنيها واحدا رغم أنه مطبوع عليها بوضوح أن ثمن التذكرة جنيهين ، ولن يسأل أحد أحدا : لماذا قرر هذا في البداية ولماذا قرر ذاك في الأخير ، في معرض الكتاب هذا العام ظاهرة لافتة وهي أن كافة النشاطات الثقافية التي يشتم فيها رائحة سياسة تم إلغاؤها ، رغم أن اللجنة المشرفة على المؤتمر تقوم عادة بانتقاء المشاركين على الفرازة الأمنية والحزبية ، ومع ذلك يبدو أنهم عجزوا عن أن يضمنوا تهميش فلتان مشاعر الغضب والسخط على الحكم والحكومة ، فقرروا إلغاء الجميع ، وهذا يعني أن النظام السياسي يدرك أنه يعيش في عزلة متزايدة ، وأنه يخسر كل يوم المزيد من حلفائه ، وأن قطاعا كبيرا من المثقفين الذين أدخلهم فاروق حسني إلى الحظيرة بدأوا يتمردون عليها ويفرون منها ، ربما فرار العاقل الحكيم من المركب الذي هو بسبيله إلى الغرق ، والله أعلم ! [email protected]